حشدت الدولة المصرية كل إمكاناتها الأيام الماضية للإفراج عن 20 مصرياً تم اختطافهم في ليبيا، وفي الوقت ذاته أبدت الجامعة العربية اهتماماً كبيراً بالتطورات الليبية، وعقدت اجتماعا طارئا الاثنين الماضي، وفي الاجتماع طالبت ليبيا بمساعدة عربية لحماية مؤسساتها الوطنية ومنشآتها من الإرهاب، وتعد مصر أكثر الدول تضررا مما يجري في ليبيا، على المستوى الأمني والاقتصادي . ويتعلق التهديد الأمني بتحول ليبيا إلى بيئة جاذبة وحاضنة للتنظيمات الإرهابية، التي استغلت غياب الدولة، وما نشأ عنه من فراغ أمني، وسعت إلى فرض نفسها على الدولة والمجتمع، وساعدها على ذلك توافر التمويل والسلاح، سواء من خلال أسلحة الجيش الليبي الذي تفكك منذ مقتل العقيد القذافي أو من بيع النفط بطرق غير شرعية، ووجود ظهير خارجي يتمثل في تنظيم "داعش"، وفي تركيا التي اتهمها عقيلة صالح عيسى رئيس مجلس النواب الليبي، صراحة بتمويل الإرهاب . يضاف إلى ذلك أن الصحراء المفتوحة قدمت مددا قويا للداخل الليبي، حيث توجد العديد من التنظيمات جنوب الصحراء، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، كما توجد معسكرات تدريب في ليبيا لجماعة الإخوان، من أجل استهداف الدولة المصرية . ويتمثل التهديد الاقتصادي في عمليات القتل والاختطاف التي تمارسها أطراف ليبية عمداً بحق مصريين يعيشون ويعملون هناك، وكان أحدثها قتل طبيب وزوجته في مدينة سرت، واختطاف 20 عاملاً مصرياً في عمليتين منفصلتين، إلى جانب تكرار خطف الشاحنات والسائقين الذين يقومون بنقل البضائع المصرية إلى ليبيا، ما يؤثر في سلامة أرواح المصريين، وفي حقوقهم في الحياة والعمل، بما يمس هيبة الدولة المصرية، ويؤثر في الحقوق الاقتصادية للعمالة، خلافاً للاتفاقيات الدولية والعربية . وحرصت مصر منذ بدء الصراع الليبي، على محاولة احتواء هذه التهديدات وعلاجها على المستويين الإقليمي والثنائي . وتمكنت، على المستوى الإقليمي، من تشكيل مجموعة دول الجوار الليبي، التي وضعت وثيقة لحل الأزمة من خلال نبذ العنف، واللجوء إلى الحوار الوطني، وحصلت هذه الوثيقة على اعتراف دولي في مجلس الأمن والجمعية العامة، وفي الاتحاد الإفريقي، كما استطاعت مصر بالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة أن تضع القضية الليبية على رأس اهتمامات الجامعة العربية، واستطاعت الدولتان حشد موقف عربي مساند لوحدة التراب الليبي، ورافض لأي تدخلات دولية، ومطالب للجامعة بالتدخل للحفاظ على التراب والمقدرات الليبية. وتساند مصر المؤسسات الليبية الحالية، الممثلة في الحكومة وفي مجلس النواب، والجيش والشرطة، وتقدم لهم كل العون، باعتبارها مؤسسات تحافظ على وجود الدولة الليبية، وأساساً لأي حل، كما تمكنت من بناء جسور تواصل مع عدد كبير من القبائل، التي أسست فيما بينها مجلسا قوميا للقبائل الليبية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بالقاهرة، وأعلن هذا المجلس تأييده للجهود المصرية، ورفضه لكل أشكال العنف والإرهاب . وتبذل الجامعة العربية، بدعم مصري وإماراتي على وجه الخصوص، جهودا متواصلة لمنع انزلاق الأزمة الليبية إلى مزيد من الفوضى، التي قد تجلب التدويل، كي لا تستغل دول كبرى الواقع المضطرب لجلب قوات دولية إلى ليبيا، ما يمثل تهديداً إضافياً للأمن العربي، إلا أن الوضع الليبي يبقى معقداً في ضوء محاولات توظيفه من جانب قوى غربية وإقليمية . *المصدر : الخليج الاماراتية