مادلين تستعد لتطفي الشمعة ال 92 من حياتها ، تحس أنها عاشت بما فيه الكفاية وأن حياتها بعد هذا العمر ستكون مليئة بالألم والإزعاج لعائلتها لدلك تقرر نهاية خيط حياتها وقطعه لتنعم بالراحة والسلام لكن إبنها بيير يعارض بقوة هذه الرغبة، بينما تحاول بنتها تفهم القرار لكنها لا تؤيده، وحده حفيدها يفهم جدته ويدعمها. مادلين ترى أنها حققت ما يجب تحقيقه وأخذت نصيبها الكامل من الدنيا وأن العجز والهرم سيحرمها تلك السعادة وتريد المغادرة وهي تحتفظ بعقلها وذكرياتها وما بقي من قوتها الجسدية التي تضعف كل يوم، رغم أن لديها عائلة تحبها إلا أن كل فرد مشغول بحياته وهمومه لذلك يزيد ويكبر شعورها بالوحدة والوهن وهي ترفض ترك بيتها والعيش مع أحدهم أو العيش في دار العجزة وتريد أن تغادر سعيدة وحرة.
هذه المرأة نموذج للمرأة العصرية وقضت معظم حياتها في مهنة شاقة لكنها إنسانية (قابلة ومولدة نساء) تستقبل الحياة الجديدة، وهي امرأة قوية وحساسة ولا تقبل الضعف وسافرت إلى أفريقيا عدة مرات كمتطوعة وساعدت نساء كثيرات وأنقذتهن من الموت حيث أن في أغلب هذه البلدان الفقيرة يتم توليد النساء بطرق بدائية وكثيرا ما تحدث كوارث صحية تؤدي إلى موت الأمهات أو الأطفال بعد الولادة، وهي تعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين الحياة والموت فمولد إنسان يعني وصوله إلى رصيف الحياة وموته هو مغادرة هذا الرصيف وهذا المعتقد سهل عليها ورسخ قناعتها لترك مشهد الحياة مبتسمة وفي وضح الضوء. الممثلة مارتا التي جسدت شخصية مادلين ترى أن هذه الشخصية غنية في إنسانيتها ووهج روحها النقي والموت هنا لذة وليس قسوة على الجسد بالعكس هذه النهاية ستجعله يخلد إلى الراحة، وكونها ممثلة كوميدية كبيرة وهذا الدور له سماته الدرامية فقد وضحت أن أي ممثل كوميدي بحاجة إلى مثل هذا النوع الدرامي التراجيدي وأن السيناريو يساعد الممثل وأن الجمهور متشوق للأعمال الدرامية التي تخاطب الوجدان، وأن ما يهمها هو الجمهور وليس الجوائز لذلك تختار ما يعجبها. السينما الفرنسية لها بصمتها الروحية وكان ويظل الموت ونهاية الحياة يشكل أهمية كبرى ويتم تناوله ليشتعل الجدل الفكري والفلسفي لفهم الموت كقيمة وليس كشبح يُخاف منه ، وهنا صورة لعائلة تنقلب حياتها رأسا على عندما تأخذ الأم (92 عاما) قرار يوم وفاته، نعيش لحظات حزينة، وأخرى مشرقة، كما تتصارع بعض الأمواج المظلمة، نحن مع سرد روائي مشرذم ومبعثر لكن المتفرج يقدر على جمعه وفهمه، كما تتسم المشاهد بالتكثيف لتصلنا الحقيقة في نهاية المطاف. ليس من السهل فهم هذه القضية الحساسة أي الانتحار من دون الوقوع في التفلسف الغير جاد والمضيع للوقت، المخرجة السينمائية الفرنسية باسكال بوزادو تنطلق لتلامس المعنى السليم فقدت تمسكت ببطلتها التي تتخذ هذه النهاية وهي في كامل الوعي ولم تكن مهزوزة أو مترددة وهي مقتنعة ومتأكدة من اختيارها، نعيش أفضل لحظات الفيلم مع مادلين التي تنغمس في النكتة مع مدبرة منزله أو في غرفة المستشفى وتنحت في ذاكرتنا مواقف عديدة مثلا شعورها الذي تعجز في التعبير عنه وهي تضع حفاظة تقيها من البلل ليلا كونها تعجز عن التحكم بالبول أثناء النوم وتعتبر ما وصلت إليه نكسة ستهدم كل ذكرياتها السعيدة، لذلك ما فائدة حياة يكبر فيها العجز والهرم والألم والتعاسة ويصغر عقل الإنسان وتتبعثر سعادته. السينما ليس فقط ما يطرحه المخرج وقد يضعف أي فيلم في بعض أجزائه عندما يشكك في ذكاء المتفرج ويحرمه من المشاركة والتفاعل فكثرة التوضيحات والتكرار يؤدي إلى الترهل وهناك من يرى من النقاد أن المخرجة باسكال بوزادو كانت مهووسة ومسيطرة بقوة على تفاصيل كل حدث ولم تترك لحظة للصدف وهذا مؤسف. كرست المخرجة جهدها بالتعمق في فكر الشخصية الرئسية حين تستحضر الماضي وبهجة الذكريات العامة وخصوصا مع عائلتها والذي كان لغرض أن نطمئن في قناعة مادلين فهي ماتزال تتمتع ببعض السعادة والحب والتواصل ولكن هذه العناصر تضعف وتنقص مع مرور كل يوم ولهذا فالوقت مناسب للرحيل قبل فقدان كل شيء. فيلم الدرس الأخير مستوحى من قصة حقيقية ووضحت مخرجته باسكال بوزادو أنها عملت جهدها كمخرجة لتقديم قصة قوية وكون القصة نشرت في رواية قوية لنويل شاتليه حيث حكت قصة أمها وخيارها الرحيل عن الدنيا ومفارقتهم لذلك من الطبيعي الشعور بمخاوف من الفشل ولكن الفيلم نجح وكان من المهم الحديث عن الحرية كونها تعنينا جميعا، والمسألة ليست النقل الحرفي لما حدث، ما حاول الفيلم فعله هو الإشارة إلى الواقع وفهم حقيقته والفيلم بمثابة تكريم لهذه الشخصية الرائعة وتم تقديمها بصورة بسيطة ونحسها قريبة منا، وتم البعد عن المبالغة الدرامية المفجعة والتراجيديا البائسة حتى تجد الشخصية من يفهمها وينصت له ويناقش الفكرة مع غيره وكذلك لعرضها بجمالها الطبيعي ولم يكن البحث عن زخرفة أو تكلف فقط البحث عن الحقيقة وتمجيد لهذه الرغبة الإنسانية وللأسف يظل القانون قاصر ولا ينصت لمثل هذه الحالات ولا يرحمها.