وسط تصاعد الحركات القومية ومع تراجع الالتزام الأميركي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين إلى بناء أوروبا قوية ومستقلة قادرة على تولي دفاعها والتغلب على أزماتها وفي طليعتها الهجرة، لتطرح نفسها في العالم على قدم المساواة مع واشنطن وبكين. وقال ماكرون عارضا خارطة طريقه الدبلوماسية على سفراء فرنسا في مؤتمرهم السنوي "النزعات المتطرفة تقدمت والقوميات استيقظت. هل هذا سبب للاستسلام؟ قطعا لا (...) بل ينبغي في الحقيقة مضاعفة جهودنا". وتابع "هذه المعركة الأوروبية ما زالت في بداياتها، ستكون طويلة، ستكون صعبة، وستكون في صلب عمل فرنسا طوال ولايتي (...) لأننا وسط أزمة أوروبية". وقبل سبعة أشهر من الانتخابات الأوروبية، يصطدم الرئيس الفرنسي بموجة قومية تنتشر من إيطاليا إلى المجر وتحاصر طموحاته بإصلاح الاتحاد الأوروبي. وفي مواجهة هذه المعوقات، إستعاد ماكرون المبادرة عشية زيارة للدنمارك وفنلندا تستمر ثلاثة أيام، وسوف يطرح مبادرات جديدة من أجل أن تملك أوروبا استقلالية دفاعية لأنه "لم يعد بإمكان أوروبا الاعتماد على الولاياتالمتحدة حصرا في أمنها. يعود لنا نحن أن نضمن الأمن الأوروبي" مبديا تأييده لإجراء محادثات مع روسيا بهذا الصدد. وقال "لا أظن أن الصينوالولاياتالمتحدة تعتقدان أن أوروبا لها استقلالية مماثلة لاستقلاليتهما. إذا لم نتمكن من بناء ذلك، فإننا نستعد لأيام قاتمة". وتطرق إلى الخلافات بين الدول ال27 ولا سيما الخلاف حول الهجرة، فشدد على أن الطريقة الوحيدة لضبط تدفق المهاجرين هو اعتماد سياسة أوروبية منسقة، وانتقد إيطاليا والمجر معتبرا أنهما دولتان "انتهازيتان" تأخذان المساعدات من أوروبا وترفضان ضوابطها. وقال موجها كلامه إلى الحكومة الإيطالية "ما يحصل في إيطاليا أنتجناه سياسيا بقلة تضامننا (...) هل هذا يبرر الخطاب المعادي للأجانب والاستسهال؟ لا أعتقد ذلك، بل أعتقد أن هؤلاء المعادين للأجانب أنفسهم لا يقدمون أي حل للآفة التي ينددون بها". كما اعتبر انه ينبغي على الاتحاد الأوروبي تحقيق اندماج أكبر في جميع المجالات الضريبية والاجتماعية والمالية، ولو أدى ذلك إلى قيام أوروبا "ذات عدة دوائر". وشدد مانويل لافون رابنوي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية على أنه بالنسبة لكل هذه الملفات "إيمانويل ماكرون بحاجة إلى نتائج وليس مجرد طموحات، حتى يقبل مسلحا على الانتخابات الأوروبية" في أيار/مايو 2019. - إصلاح مجموعة السبع - وأوضح ماكرون أن الاستقلالية الذاتية الاستراتيجية ستسمح "لفرنسا وأوروبا بلعب دور تاريخي في إعادة تشكيل النظام العالمي". وتبدو إعادة ترتيب هذا النظام العالمي ضرورية أكثر من أي وقت مضى أمام موجة التقوقع الوطني والقومي الذي يتصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد هدد بالطعن في تحالفات تعود إلى العام 1945 وشن حروبا تجارية في كل الاتجاهات. وعرض ماكرون أن تباشر مجموعة السبع التي تتولى فرنسا رئاستها عام 2019 حوارا مع الصين والهند وإفريقيا لتخطي فشل القمة الأخيرة التي نسفها ترامب. كذلك يدعو الرئيس الفرنسي إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية من خلال محادثات بين أوروبا واليابان والولاياتالمتحدةوالصين، ودعا ممثلي هذه البلدان إلى عقد اجتماع أول حول الموضوع على هامش منتدى السلام الذي تنظمه باريس في 11 تشرين الثاني/نوفمبر. من جهة أخرى، شدد ماكرون على ضرورة إرساء الاستقرار في سوريا وليبيا. وبالنسبة لسوريا، دعا إلى "تشديد الضغط أكثر على النظام وحلفائه" لحضهم على تسوية سياسية للنزاع، محذرا بأن "النظام يهدد بالتسبب بأزمة إنسانية جديدة في منطقة إدلب ولا يبدي حتى الآن أي رغبة في التفاوض بشأن أي عملية انتقال سياسي". أما في ليبيا، فشدد على أن "دورنا هو النجاح في تطبيق اتفاق باريس الموقع في أيار/مايو" الماضي والذي ينص على إجراء انتخابات في كانون الاول/ديسمبر 2018 في هذا البلد. وتطرق إلى العلاقات الصعبة مع تركياوروسيا، معتبرا أنه ينبغي "بناء شراكة استراتيجية" لتقريب هذين البلدين من أوروبا. ودعا أخيرا السفراء إلى السعي من أجل "المنافع العامة العالمية" من خلال اتباع "دبلوماسية بيئية" وتشجيع التعليم ولا سيما تعليم الفتيات في إفريقيا.