من يراقب المدة التي اعطتها المبادرة الخليجية "كفترة انتقالية" محددة بعامين ومن ثم التحرك البطيء في انجاز متطلبات تلك المرحلة للوصول الى الاستحقاقات وكذلك التلكؤ في تنفيذ مخرجات الحوار،يدرك بما لايدع للشك أن خطة التمديد كانت معدة مسبقا منذ الايام الاولى لتوقيع المبادرة. الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية كان بإمكانها استغلال نزعة المواطن اليمني خاصة ما يسمى ب"الفئة الصامتة" الى استعادة الوضع الطبيعي الذي يمكنهم من ممارسة حياتهم التي اعتادوا عليها قبل الثورة ،وذلك بتحديد فترة أطول للمرحلة الانتقالية بدلا عن تحديدها ب"عامين فقط"،لكن السعودية كان لها غرض من وراء ذلك حسب اعتقادي وهو ما سأفسره في الفقرة التالية. السعودية وذراعها في اليمن المتمثل في حزب الاصلاح وعلي محسن الأحمر،أرادوا أن يستغلوا سعي الرئيس هادي للبقاء في السلطة فترة أطول لينفذ لهم ما يريدوه منهم عبر اتخاذ قرارات جمهورية تمكن الاصلاح وأتباع علي محسن من السيطرة على الدولة في شقيها العسكري والمدني فلعبوا معه لعبة العصا والجزرة،وكان على هادي أن يفهم أن اقترابه من الجزرة مقرون بمدى التزامه بتنفيذ اجندة السعودية وضمان موقف اليمن على الصعيد الخارجي ليكون تابعا للسعودية . ليس من مصلحة السعودية والإصلاح أن يقدم هادي نفسه للشعب بطريقه مثالية تكسبه تأييدا كبيرا لذلك تركوه يتخبط في مواقفه التي يحاول من خلالها أن يوصل رسائل تؤهله للحصول على التمديد،فبدا هادي يسير بنفس الطريقة التي سار عليها علي عبدالله صالح من قبله،فالصورة المشوهة لهادي المطيعة للسعودية افضل من الصورة الجيدة المطيعة ايضا. في الآونة الأخيرة وبالتزامن مع قرب انتهاء الفترة الانتقالية سيطر هاجس التمديد على تفكير الرئيس هادي فراح يوصل رسائل للداخل والخارج بشكل غير منطقي ظنا منه أن لك سيبلغه مراده ..كيف؟ الاجابة تكمن في أنه وفي ظل الانتهاكات الواضحة للطيران الأمريكي في اليمن وسقوط المدنين في الغارات التي تنفذها آلة الموت "الطائرات بدون طيار" والتي تعامل معها هادي ليس بالصمت والمغالطة بل بالإشادة بالقدرة الفائقة لتلك الطائرات،وبالمقابل فإن هادي وقع في فخ اعلام الاصلاح الذي اعلن بين اليوم والآخر عن خلايا وهمية تعمل لصالح "إيران" في اليمن فظهر هادي في أكثر من مناسبة آخرها كان بالأمس القريب يطالب المجتمع الدولي بكف يد "إيران" عن التدخل في شؤون اليمن. هادي ترك عشرات الشحنات التركية والتي حملت معها عشرات الآلاف من قطع السلاح الى داخل البلاد وركز اهتمامه بالتدخل الايراني المزعوم،وترك اقدام السعودية على بناء جدار عازل بينها وبين اليمن يمس السيادة الوطنية بل انه ذهب الى السعودية ليعطي ضمانات بعدم السماح لأحد بالتعرض لسير بناء ذلك الجدار وبقي في نفس الوقت مركزا اهتمامه باتجاه التدخل الايراني. أيضا ظهور هادي في اجتماع مع المشائخ والأعيان في الأمس الأول تؤكد أن هادي الذي تركته السعودية يتخبط في اظهار رغبته بالتمديد اختار أن يراقص الثعابين على خطى سلفه والاعتماد على الضمان القبلي للسلطة وهو مايتم عادة في اليمن عبر تبادل الفائدة بين الرئاسة والقبيلة . هادي ايضا اجتمع باللجنة التحضيرية لما يسمى ب"مؤتمر الشباب" المعروف بكون مؤتمرا خاصا بالإصلاح ولا يمثل كافة الاطياف بل إنه ومن حيث المنطق لا مبرر لوجود مؤتمر للشباب بالتزامن من الحوار الوطني لكن هادي اراد من وراء اجتماعه بتلك اللجنة ايصال رسالة لمؤتمر الحوار بأنه يمكن المراهنة على مؤتمر الشباب مالم يحقق مؤتمر "موفمبيك" مراده في التمديد. بالنسبة لهادي فهو يريد أي حوار يفضي الى التمديد له ،فإذا لم يأت التمديد من مؤتمر" موفمبيك "سيبحث عنه في مؤتمر الشباب ولو في قهوة الشيباني أو قصر حميد الأحمر وبالعودة للوراء قليلا باتجاه الايام الاولى لوصول هادي للسلطة لنؤكد أن ابتزاز هادي بالتمديد من قبل الاصلاح كان مخططا والذي ظهر في اعلام الاصلاح الرسمي وغير الرسمي فنجد أن ذلك الاعلام كان يتباين في وصف هادي مرة يصفة بالرئيس ومرة يصفه بالرئيس الانتقالي. كان اعلام الاصلاح يصف هادي بالرئيس دون ذكر مفردة "انتقالي" كلما صدر منه قرارات بموجبها يتم تعيين التابعين للإصلاح أو علي محسن في مراكز حساسة في الدولة عسكرياً ومدنياً ،وكلما كان يتم تسريب معلومات عن خلافات بين هادي والإصلاح نجد الاعلام الاصلاحي بشكل جماعي يركز على وصف الرئيس ب"بالانتقالي" تأكيدا لفكرة أن هادي مالم يكن مطيعا فسيكون رئيسا لليمن لفترة أطول ما لم فإن عليه انهاء المرحلة الانتقالية وبعد ذلك الرحيل. بوادر وجود صفقة بين الرئيس والإصلاح وعلي محسن ومن وراء ذلك السعودية بالتمديد للأول تبدو في لغة الاعلام الاصلاحي وكذلك كتابات نشطاء الإصلاح، فمثلاً نجد توكل كرمان التي ترفض الثورة المصرية وتتمسك بموقف اخوان مصر وإعلانها الرفض لحكم العسكر هناك حسب وصفها بينما تتناسى أن الثورة التي افضت الى رئيس برتبة "مشير" وعلاوة على ذلك نشرت اليوم في صفحتها على الفيسبوك منشوراً قالت فيه "ولاية الرئيس الانتقالي هادي باقية حتي تنجز المرحلة الانتقالية مهامها، من الدستور الحديث والانتخابات المحلية والفدرالية والانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية على ضوء الدستور الجديد" كلام كرمان هذا الذي يحمل مغالطة لتحديد المبادرة للفترة الانتقالية بل واقتران كل ماورد فيها بوصفها "مبادرة مزمّنة" لتجعل ولاية هادي مقرونة بالانجاز وليس الوقت وهو مايمكن ان يتحقق في عامين او اربعة او حتى عشر سنوات،لتعيد توكل كرمان الى الذاكرة ما قاله سلطان البركاني قبل الثورة بأنهم "سيصفرون العداد" ليبقى علي عبدالله صالح في الرئاسة مدى الحياة ربما.