كتب أحدهم منتقداً فذكرني في مقالته بما لا يعجبني ورغم أن ما كتبه لم يتجاوز بضع كلمات ولم يبتعد ما طرحه عن كونه انتقاداً مهنياً في إطار الأسلوب والموضوعية ولم ترد فيه عبارة أو كلمة حاول من خلالها النيل مني واستهدافي شخصياً إلا إنني شعرت بأن برج كبريائي انهار من أعلى أعاليه حتى أدنى وأعمق أساساته.. ولا اخفي إنني شعرت بأن كل العالم قرأ تلك الكلمات وإنني أصبحت عرضة لسخرية الآخرين ولا أخفى كذلك إنني تمنيت حينها إطلاق صخرة من نار تحرق الكاتب والصحيفة، لكنني وبعد أن هدأ طوفان الغرور الإنساني أدركت إنني مازلت غير قادر على استيعاب مفهوم حرية الرأي والرأي الأخر الذي طالما تحدثت عنه واجتهدت في إقناع الآخرين بقبول مبادئه ونتائجه واعتباره محطة هامة في مسيرة الحياة تمكن الإنسان كفرد ومجتمع من تجاوز السلبيات ومعالجة الإختلالات التي تعيق وتحول دون تحقيق أي نوع من النجاح في مختلف المجالات.. هدأت لكنني لم أتوقف عند هذا الحد وبدأت أراجع ملفاتي الملينة بالكثير من الكتابات والتناولات الصحفية التي أقنعت نفسي بأن كل ما احتوته من انتقادات حق من حقوقي المشروعة حتى وإن كنت قد تجاوزت فيها حدود المعقول وشكلت تطاولاً يرفضه العقل والضمير والأخلاق ومن المعيب إدراجها تحت مظلة حرية الرأي.. .. أعترف بأنني آمنت برأيي لدرجة الكفر بالأخر والتعامل معه والنظر إليه كهدف جامد من حقي تجريده من إنسانيته وحرمانه من كل قيمه ومبادئه وأخلاقياته ليس لشيء وإنما لتجميل صورة من نحب ابتداء بأنفسنا كمحاربين مع من نتعاطف معهم ونميل إليهم وانتهاءً باللاشيء وما أكثر اللاشيء إذا ما راجعنا قائمة الأشياء التي نملكها وندافع عنها.. ربما أخذتنا معارك الكلام والأقلام بعيداً لدرجة نسيان جوهر ما يجب أن ندافع عنه والمتمثل في اليمن أرضاً وشعباً، آمالاً وتطلعات تجاهلناها وذهبنا بكتاباتنا بعيداً حتى أسرفنا في تناولاتنا واتهاماتنا التي لم تثمر إلا المزيد من الانقسام وأسهمت بقصد أو بدون قصد في عسكرة المجتمع وانقسامه بين معسكرين مختلفين سرعان ما تحولا إلى هويتين متناقضتين لا يتفقان ولا يمكن التقائها.. يكفي أن نقوم بمراجعة سريعة لملفاتنا ومعاركنا وتبايناتنا واختلافاتنا وكتاباتنا منذ أوائل العام 2001م وحتى اليوم لندرك أننا خلال ثلاث سنوات قلنا الكثير والكثير مما لا يجب ولا يجوز أن يقال وكتبناً ونشرنا الكثير والكثير مما لا يجب كتابته أو تناوله مهما كانت المبررات.. يكفي أن نراجع كل ذلك لندرك إلى أي مدى اجتهدنا في شخصنة مشاكلنا وقضايانا والتي اعترف - ولا الزم الآخرين بالاعتراف- أن فشلنا وعجزنا عن فهمها ومعالجتها دفعنا لتجسيد ملامحها في أشخاص وأسماء اقنعنا أنفسنا واجتهدنا في إقناع الآخرين بتسببها ووقوفها وراء ما يحدث وكل ما يحدث وكل ما تعانيه.. .. اللواء علي محسن الأحمر أحد الذين تناولتهم أو بالأصح أبرز الذين استهدفتهم أقلامنا بل وابرز من حملناه مسئولية ما حدث وجسدنا في شخصه الأزمة التي عشناها وما نزال نعيشها حتى اليوم ولأنه بدا كذلك أو بالأصح حرصنا على أن نجعله يبدو كذلك تنافسنا في استهدافه بتناولاتنا وكتاباتنا حتى أصبح نجم الشاشة الأول في شباك تذاكر الأزمة والعنوان الأبرز لكل ما يبث ويذاع وينشر، وما أكثر التناولات والكتابات التي شكل اللواء علي محسن عنوانها ومضمونها والتي لا اخفي أن ما حملته تلك الكتابات والتناولات من أوصاف وإدانات فاقت -في تأثيراتها وعميق جروحها- كل الأوصاف والإدانات التي أطلقها شكسبير على تاجر البندقية.. قد تكون تلك الكلمات القليلة التي تناولني فيها زميلي العزيز مؤلمة وقاسية من وجهة نظري لكنها كانت كافية لإقناعي بمراجعة كل ما كتبته منذ بدء الأزمة وحتى اليوم والتي وإن كنت فيها قد اخترت واقتنعت بأن أكون مع علي عبدالله صالح ولا يمكنني إلا أن أكون وأظل كذلك حتى وإن تغيرت وتبدلت المواقف والظروف إلا أن تجاهلنا وابتعادنا عن جوهر ما ندعي أننا ندافع عنه ونختلف من أجله يؤكد إننا تعاملنا مع الأزمة باستخفاف وأسهمنا بقصد أو بدون قصد في توسيع هوة الخلاف وعمقنا - نحن الكتاب والصحفيين- الشرخ حتى انقسمت الدولة والكيان السياسي والمجتمع بين طرفين كانا يشكلان الدولة والنظام ويكادان باختلافاتها يحولان البلاد إلى جحيم ومقبرة لا أول لها ولا آخر.. أعدت قراءة ما تناولته الكتابات والتحليلات السياسية والكثير مما قيل عبر وسائل الإعلام التي تحولت إلى طبول حرب أسهمت في تأجيج الصراع سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، ورغم أنني لم أجد ما يمكن ان يسجله التاريخ من مواقف تنحاز للوطن وأمنه واستقراره إلا أن الكثير من الكتابات والتناولات الإعلامية وخاصة تلك الموجهة لاستهداف اللواء علي محسن صالح أجبرتني على الاعتراف بأن هذا الرجل كان كجبل أكبر من أن تناله أو تثيره وتستعديه كتاباتنا .. وأقوى وأصلب من أن تجرحه خربشاتنا التي كانت لتصبح سببا لإزالتنا من الوجود أو نفينا إلى ما وراء ( واق الواق ) !! .. لو أننا وجهناها لغير علي محسن . استهدفنا علي محسن واجتهدنا في استفزازه لكن ورغم أن تناولتنا جعلته سفاحا وخائنا وعميلا وو.... إلى ما لا نهاية من الأوصاف والألقاب .. لكن كل ذلك لم يغير فيه شيئا ولم يرد على إساءاتنا له بأي نوع من الفعل وألتزم صمته المعهود الذي لا أخفي أنه كان أبلغ من كل ما كتبناه وقلناه بل وأشد فتكا وأدق تصويبا وما اخطر وأقسى أن يصيبك من تستعديه في ضميرك ومشاعرك وأخلاقياتك .. وما أقسى وأمر أن يشعر الإنسان انه لا يمتلك ما يمتلكه عدوه من القيم والأخلاقيات والمبادئ .. ويكفي أن يكون الوطن جوهر ما نحب وغاية ما نجتهد ونتنافس من اجله حاضرا ومستقبلا ولتذهب كل المشاريع السياسية التي تستهدف الوطن أرضا وشعبا إلى أعمق أعماق الجحيم. [email protected]