لا يُخفي الطريق من صنعاء إلى عدن، سواء كان المرور عن طريق تعز أم الضالع، شيئاً من الواقعية التي تعبر عن واقع الحال الذي يميز البلاد، فبعد سنوات من اعتماد المجالس المحلية كنظام لإدارة الناس أنفسهم بأنفسهم لا تشعر عين المراقب أن شيئاً كبيراً تغير، فالأمكنة لا تزال هي تلك التي نعرفها مع استثناءات بسيطة، وأوضاع الناس لا تزال كما كانت دون تغيير، والأهم أن حالة الفوضى والعشوائية لا تزال هي السائدة، وكأن المجالس المحلية لم تستطع أن تغير شيئاً من أوضاع الناس ومن أمزجتهم كذلك، كما كان حال المركزية بالضبط. إن التساؤل هنا عن دور المجالس المحلية في إضافة شيء إلى حياة الناس مطلوب، والأهم هو مراجعة التجربة التي مضى عليها أكثر من عشر سنوات دون أن يلمس شيئاً حقيقياً في حياة المواطنين. صحيح أن هناك بعض الانجازات تحققت في بعض المحافظات، إلا أن السمة الغالبة تكمن في أن المجالس المحلية تحولت إلى أداة غير فاعلة في حياة المواطنين، بل وعبء عليهم في بعض المحافظات. ينبغي علينا أن لا نبالغ في مدح تجربة المجالس المحلية، فالأيام أثبتت أن هذه التجربة لا تزال تواجه الكثير من العثرات ولا بد من حلها، وأبرزها انعدام الجدية في متابعة قضايا الناس والعمل على إيجاد حلول سريعة لها، كما أن الصراعات السياسية غلبت على أداء بعض المجالس، حتى أن المجالس المحلية في كثير من المحافظات تحولت إلى أدوات للصراع الحزبي والسياسي، وقد رأينا كيف أن خلافات لا تزال تفعل فعلها بين المحافظين وأمناء عموم المجالس المحلية في بعض المحافظات، وهي الخلافات التي تؤثر على نشاطات هذه المجالس ودورها في خدمة الناس. لهذا نحن بحاجة إلى مصارحة أنفسنا والوقوف على تجربة المجالس المحلية من جميع زواياها ؛ فإذا لم تتمكن هذه المجالس من تحقيق طموحات الناس في حياة أفضل، فإن من الأفضل البحث عن طريقة جديدة تعمل على تحقيق ذلك. لا يجب الإغراق في وصف المجالس المحلية بأنها جاءت لتخفيف المركزية ، إذ أن ذلك ليس سوى آمال على الورق ، لأن عشر سنوات كافية لمنح هذه التجربة التقييم الكافي والصادق لاستمرارها من عدمها. علينا البحث عن آلية يُفعّل بها دور المجالس المحلية وينقذها من الفشل ، بخاصة وأن الأيام أثبتت أن هذه المجالس لم تتمكن من القيام بدورها المطلوب وتفرغ البعض منه إلى الصراع السياسي، الذي شَلّ في بعض المحافظات نشاط هذه المجالس بشكل كامل. لا يجب أن يفهم مما كُتب آنفاً الدعوة إلى إلغاء تجربة المجالس المحلية ، بل دعوة إلى مراجعة التجربة والوقوف على الأخطاء التي تهدد بنسف التجربة بالكامل.