يخفي الطريق من صنعاء إلى عدن شيئا من الواقعية التي تعبر عن واقع الحال الذي يميز البلاد، فبعد سنوات من اعتماد المجالس المحلية كنظام لإدارة الناس أنفسهم بأنفسهم، لا تشعر عين المراقب أن شيئاً تغير، فالأمكنة لا تزال هي تلك التي نعرفها منذ قيام دولة الوحدة مع استثناءات بسيطة، وأوضاع الناس لا تزال كما كانت دون تغيير، والأهم أن حالة الفوضى والعشوائية لا تزال هي السائدة، وكأن المجالس المحلية لم تستطع أن تغير شيئاً من أوضاع الناس كما كان حال المركزية بالضبط. إن التساؤل هنا عن دور المجالس المحلية في إضافة شيء إلى حياة الناس مطلوب، والأهم هو مراجعة التجربة التي مضى عليها أكثر من ثماني سنوات من دون أن يلمس شيء حقيقي في حياة المواطنين، صحيح أن هناك بعض الانجازات تحققت في بعض المحافظات، إلا أن السمة الغالبة هي أن المجلس المحلية تحولت إلى أداة غير فاعلة في حياة المواطنين. ينبغي علينا أن لا نبالغ في مدح تجربة المجالس المحلية، فالأيام أثبتت أن هذه التجربة لا تزال تواجه الكثير من العثرات ولا بد من حلها، وأبرزها انعدام الجدية في متابعة قضايا الناس، كما أن الصراعات السياسية غلبت على أدائها، وتحولت المجالس المحلية في كثير من المحافظات إلى أدوات للصراع الحزبي والسياسي، وقد رأينا كيف منعت السياسة المواطنين في بعض المحافظات من انتخاب من يمثلهم في انتخابات المحافظين الأخيرة. لو أن النظام يعود إلى دراسة تجربة التعاونيات في الثمانينيات والتسعينيات لوفر على الناس والبلد الكثير من الجهد، ولانعكس ذلك على حياة المواطن الذي بات حائراً لا يعرف نحو أي تجربة يذهب. نحن بحاجة إلى مصارحة أنفسنا والوقوف على تجربة المجالس المحلية من جميع زواياها؛ فإذا لم تتمكن هذه المجالس من تحقيق طموحات الناس في حياة أفضل فإن من الأفضل البحث عن طريقة جديدة تعمل على تحقيق ذلك. لا يجب الإغراق في وصف المجالس المحلية بأنها جاءت لتخفيف المركزية، إذ أن ذلك ليس سوى آمال على الورق، لان ثماني سنوات كافية لمنح هذه التجربة التقييم الكافي والصادق لاستمرارها من عدمها. على النظام البحث عن آلية يفعل بها دور المجالس المحلية وينقذها من الفشل، بخاصة وأن الأيام أثبتت أن هذه المجالس لم تتمكن من القيام بدورها المطلوب وتفرغ البعض منه إلى الصراع السياسي، الذي شل في بعض المحافظات نشاط هذه المجالس. لا يجب أن يفهم مما كتب الدعوة إلى إلغاء تجربة المجالس المحلية، بل دعوة إلى مراجعة التجربة والوقوف على الأخطاء التي تهدد بنسف التجربة بالكامل.