قيم تتدهور، ومبادىء تتلاشى، وأخلاقيات تتهاوى، نجلاء ناجي البعداني ومجتمع يفقد نفسه ويتفكك, وكل يوم يذوب عدد من الأواصر الاجتماعية التي تربط بين أفراده وتؤلف بين قلوبهم وتوحد مواقفهم وتجمع كلمتهم. وكل يوم تزداد الهوة اتساعاً، والمسافة تتباعد، أو لم يعد هنالك ما يقارب بينهم إلا خيوط ممتدة لمصالح آنية وشخصية تفرضها الحاجة وتبررها الغاية, هذه الخيوط سرعان ما تنقطع بعد تحقيق الحاجة وانقضاء المصلحة والوصول إلى الغاية. كل ذلك بفعل ثقافة (وانا مالي) هذه الثقافة الغريبة والدخيلة على مجتمعنا المعروف بتآلفه وتكاتفه وتعاونه وتراحمه وحرصه على مصالح أفراده, بعد أن تفشت بين أفراده تلك الثقافة الغريبة والتي أصبحت لغة يتحدث بها الجميع، لغة غريبة مجهولة النسب تعكس وبكل وضوح ما وصلنا إليه من إخلال وتدهور في العلاقات المجتمعية التي تربط بين أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد والأسرة الواحدة والبيت الواحد. مفرداتها الكثيرة تعبر عن سلبية مفرطة وتهاون عجيب ولا مبالاة قاتلة تبلغ حد التخلي عن كل ما نؤمن به من قيم وأخلاقيات ومثل ومبادىء لدرجة الخيانة للدين والوطن والاستسلام للواقع الذي صنعناه بأنفسنا ورسمنا ملامحه واتخذناه شماعة للهروب من مشاكلنا بدلاً من مواجهتها وللتنصل عن أداء واجبنا والقيام بدورنا كأفراد صالحين في هذه الحياة يهمهم ويتوجب عليهم الحفاظ على مجتمعهم ووطنهم وحمايته من كل خطر يتهدده. والحقيقة التي يجب أن نعرفها هي أن كل فرد في المجتمع على امتداد الوطن عليه قدر من المسئولية والواجب الوطني والديني لو التزم بها لاختفت كثير من الظواهر السلبية، ولنقّي المجتمع من أدران كثيرة، وكان الوطن أكثر أمناً واستقراراً، والأهم أن نتخلص من ثقافة (وانا مالي) وكل مفرداتها.
نعم أيها السادة إن الجرائم الإرهابية والاختلالات الأمنية وكل ما يعكر صفو المجتمع ويقلق سكينته يرتكبها ويقف وراءها وينفذها بشر مثلنا استهوتهم الشياطين وباعوا أنفسهم بأبخس الأثمان, بشر مثلنا ليسوا خارقين ولا هم أيضاً مخفيون عن الأنظار، وبمقدورنا كبح جماحهم وإفشال مخططاتهم والقضاء عليهم إذا تسلحنا بالوعي وتعاملنا بشيء من المسئولية.
فلا نتعاون معهم ولا نحميهم ولا نتستر عليهم، ولا نخفي أي معلومات تقود إلى كشفهم والقبض عليهم من أجل حياتنا وحياة أهلنا وأقاربنا ومجتمعنا, فهذا الإرهابي بحزامه الناسف يستهدف الجميع أنا وأنت, أخي وأخاك, قريبي وقريبك, عائلتي وعائلتك, حياتي وحياتك, مجتمعي ومجتمعك, وطني ووطنك, ومثله قاطع الطريق والمخرّب والقاتل والخارج عن القانون؛ كلنا أهداف ممكنة لهؤلاء.
فهل نغض الطرف عن أفعالهم أو نتركهم يعيثون فساداً بينما نحن نجلس نلوك مأساتنا ونحتسي ألمنا ونشرب نخب خيبتنا بكل صبر الضعفاء العاجزين عن حماية أنفسهم والانتصار لمجتمعهم ووطنهم ودينهم؟!.
صحيح أن كشف الخلايا الإرهابية النائمة والمستيقظة من مهام الأجهزة الأمنية، وصحيح أيضاً أن الجهات المعنية أسهمت إلى حد كبير في استفحال خطر هؤلاء وفسادهم, حيث لم تتعامل معهم بحزم وقوة منذ اللحظات الأولى.
وصحيح أيضاً أن هناك مشائخ وأعياناً يحمون أفراد تنظيم القاعدة وغيرهم يوفرون لهم الملاذ الآمن، ويستخدمونهم كورقة ضغط ضد الدولة لتحقيق مصالح شخصية!!.
وصحيح أيضاً أن هناك نافذين يستثمرون الوضع الأمني لمزيد من الثراء والنفوذ ولا يهمهم وطن ولا وحدة ولا شعب بقدر ما يهمهم ما يجنونه من فوائد بسبب هذا الوضع وبقائه.
إلا أن هذا لا يعفي أفراد المجتمع من المواطنين سواء العاديين أم المثقفين من تحمل مسئولياتهم، والقيام بواجبهم لتفويت الفرصة على كل هؤلاء المتمصلحين وتجار الأزمات والحروب.
ولو قام كل مواطن بدوره وواجبه والتزم بالقانون، وأصرّ عليه وعرف حقوقه وطالب بها ورفض التنازل لما سمعنا عن قاضٍ ظالم ولا مسئول مرتشٍ، ولا رجل أمن متهاون ومقصر في واجبه. ولما سمعنا أيضاً أن إرهابيين متواجدون في منطقة كذا، ولا سمعنا أن القبيلة الفلانية قطعت الطريق أو خطفت أو هددت... الخ، ولو تحقق ذلك لاختفت مقولة: (وانا مالي) من قاموس اليمنيين.