توارى الزعيم الشيعي العراقي الشاب مقتدى الصدر -الذي عبأت رسالته النارية المناهضة للولايات المتحدة ملايين الشيعة الفقراء بعد غزو عام 2003- عن الأنظار منذ اتجه إلى الدراسات الدينية في إيران قبل عامين. ويرى بعض المحللين أن الصدر يسعى لإظهار نفسه بصورة جديدة أقل تشددا، لكسب دعم أوسع نطاقا بين مختلف الأطياف الدينية العراقية، غير أنهم يرون أن هذه المهمة لن تكون سهلة على الصدر أو على ساسة آخرين، ومن الصعب عليهم تغيير صورتهم وبناء قاعدة عرقية وطائفية عريضة قد تعيدهم إلى مكانة سياسية بارزة في العراق، الذي يرى البعض أنه بدأ يخرج لتوه من سنوات من أعمال العنف الطائفي.
وحسب المحلل سعد الحديثي فإن الصدر يريد بعد عامين من الاختفاء، أن يبدأ بداية جديدة، وقال "ربما يحاول الصدر استبدال الوجه العسكري لحركته المتمثل في جيش المهدي، بوجه سياسي جديد".
وما يعزز وجهة النظر هذه، هو تأكيد ساسة مقربون من الصدر سعيهم لتغيير صورة حركتهم، حيث يقول صلاح العبيدي -المتحدث باسم الصدر في العراق- إن الحركة عقدت اجتماعات مع الأقلية السنية من العرب والأكراد ومع أعضاء مليشيا سنية مدعومة من الحكومة، وأضاف أن الباب مفتوح وأن الحركة لا تغلقه في وجه أحد.
ويرى محللون أن حركة الصدر- التي تضم جناحا سياسيا وجناحا مسلحا، ومؤسسة للخدمات الاجتماعية تزداد قوة- هي حركة متشرذمة وغير منضبطة.
ولا يستبعد هؤلاء أن يواجه الصدر صعوبة أكبر في حشد الدعم قبل الانتخابات العامة التي تجرى في يناير/كانون الثاني المقبل، بعد أن استطاع رئيس الوزراء نوري المالكي إقناع واشنطن بالموافقة على جدول زمني لسحب القوات الأميركية من العراق ليخطف بذلك من الصدر الأضواء التي أحاط بها نفسه بسبب موقفه المناهض للولايات المتحدة.
ووفقا للمراقبين فإن اسم الصدر سيكون كافيا ليوفر له دعما لا بأس به في حي مدينة الصدر شرقي بغداد، فالصدر (35 عاما) هو سليل عائلة ذات نفوذ من رجال الدين استهدفها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبرز كشخصية ذات نفوذ بعد الغزو الأميركي عام 2003.
ويرى المحلل السياسي حازم النعيمي أنه في الانتخابات الأخيرة بدأ الناس يميلون إلى الخطاب السياسي المدني أكثر من الديني.
ومع ذلك لا يستبعد البعض أن يكون الصدر في طريقه لأن يصبح عالم دين له سلطة إصدار الفتاوى، وإذا حسن الصدر من مسوغاته كعالم دين فقد يسعى للتأثير على السياسة بطريقة غير مباشرة، مثل أية الله العظمى علي السيستاني -المرجع الشيعي الأعلى بالعراق- أو ربما يضطلع بدور أكثر نشاطا مثل عبد العزيز الحكيم الذي يترأس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو حزب شيعي كبير.
ووفقا لتأكيدات عقيل عبد الحسين زعيم الكتلة الصدرية بالبرلمان فإن سياسة التيار الصدري هي الدين ودينها هو السياسة وأضاف أنهم لا يمكن أن يتركوا السياسة وينسحبوا إلى المساجد.
وإذا اتخذت انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في يناير/ كانون الثاني الماضي نموذجا، فربما يعد ساسة العراق رسالتهم سواء كانوا مخلصين فيها أم لا، لتخاطب الاحتياجات الأساسية للناخبين، وهي الأمن والوظائف والخدمات الأساسية.
يذكر أن الصدر انضم إلى حكومة المالكي التي يقودها الشيعة عام 2006، لكنه سحب وزراءه عام 2007، ولم تخض حركته انتخابات مجالس المحافظات بشكل رسمي، لكن أنصاره شاركوا مشاركة جيدة في الانتخابات ببغداد وجنوبي العراق.