تنوعت وتعارضت وتناقضت التعليقات على الوثائق التي نشرها موقع "ويكيلكس" الإلكتروني. وبرأيي فإن ثلاثة تصريحات يمكن أن تلخص الموقف من هذه الوثائق. أهمها ما صرح به أحد المعلقين الفرنسيين إذ أفاد "أنه لا جديد فيما نُشر. وما نشره الموقع حتى الآن لم يضف جديدا إلى ما سبق أن نشرته الصحافة طوال السنوات الماضية". فإذا وضعنا إلى جانب هذا التعليق ما قالته بعض النخب السياسية والثقافية في المنطقة العربية وما حولها من أن نشرها في هذا التوقيت هو محاولة لصب الزيت على العلاقات المعقدة والمشتعلة بين أنظمة الحكم وشعوبها وبين دول المنطقة وبعضها، والتي يتداعى عقلاؤها لإطفائها حتى لا يندم الجميع حين لات ندم. وبناءً على ذلك فإننا يمكن أن نعتبر نشر هذه الوثائق هي مجرد إحياء لما يحاول الناس أن ينسوه أو أنهم في الطريق إلى نسيانه وفتح صفحة جديدة من العلاقات الإيجابية البناءة فيما بينهم. أما الموقف الثالث فهو موقف الغبطة والسرور الذي أعلنه "بنيامين نتنياهو" مجدد الحركة الصهيونية؛ وباني مستوطناتها. إذ يبدو أنه المخول بأن يغني منفردا على عزف أوركسترا المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة الأميركية؛ ويُسنَد إلى بعض وجوه السياسية العربية دور المرددين "الكورس". وحيث أن الهم الأول له وللإدارة الأميركية في المنطقة هو المشروع النووي الإيراني؛ فإن معظم مقاطع الأغنية يدور حول هذا الموضوع. وفيما يلي بعض المقاطع التي رددها "نتنياهو" وبعض المغنين الثانويين من الصهاينة. مستندين إلى ما قيل في الوثائق من أن بعض الحكام العرب قد طلبوا إلى الإدارة الأميركية توجيه ضربة عسكرية لإيران. وهو لا يتردد - بهذه المناسبة - أن يعتبر كيانه المحتل والدول العربية شيئا واحدا. لذا فإنه يقول: "إن نشر البرقيات الدبلوماسية الأميركية بيَّن أن هناك خوفا واسعا بين الدول العربية تجاه البرنامج النووي الإيراني". وأضاف: "آمل أن يعبر القادة العرب عن مخاوفهم الآنية تجاه البرنامج النووي الإيراني". ويستطرد: "لأول مرة في التاريخ الحديث هناك اتفاق مهم في أوربا والمنطقة وفي إسرائيل وبلدان المنطقة على أن الخطر الرئيسي يأتي من إيران وخططها التوسعية وخطواتها التسليحية". ثم: "سنحقق فتحا حقيقيًّا أولاً وقبل كل شيء فيما يخص السلام، وتغيير الرواية السائدة، والتي مفادها أن إسرائيل هي التي تهدد السلام والأمن في المنطقة، في الوقت الذي يعرف الجميع أين يكمن الخطر الحقيقي". أما الرئيس السابق لمجلس الدفاع الوطني الجنرال في الاحتياط، "غيورا عيلاند"، فقد قال للإذاعة الإسرائيلية: "هذه التسريبات لا تضر إسرائيل أبدا وربما العكس؛ فالموقع لم يكشف إلى حد الآن على الأقل أي سر من أسرار الدولة بشأن خطط محددة أو القدرات الاستخباراتية". وعلق مسؤول كبير في الحكومة الإسرائيلية طالبا عدم كشف هويته على الوثائق المنشورة بالقول: "لقد خرجنا بصورة جيدة جدا من خلال المعلومات التي نشرت حتى الآن على موقع "ويكيليكس" دون استباق ما قد يحدث لاحقا". وأضاف أن هذه المعلومات "تدل على أن إسرائيل لا تعتمد لغة مزدوجة وتقول في المجالس الخاصة ما تقوله علنا بخصوص ضرورة التحرك لمواجهة خطر التسلح النووي الإيراني". وأضاف: "يتبين أن كل الشرق الأوسط يرهبه احتمال قيام دولة نووية في إيران. والدول العربية تدفع الولاياتالمتحدة إلى عمل عسكري بطريقة أقوى مما تفعل إسرائيل". ولم يشأ حاكم دولة عربية كبرى أن تفوت هذه الفرصة دون أن يدلي بدلوه. فقد أفاد أن بلاده ستطور برنامجا نوويا عسكريا في حال مضت إيران في تطوير برنامجها النووي إلى المستوى العسكري. ولم أفهم شيئا من هذا الإعلان وتوقيته. فأنا أرى -وربما يشاطرني الكثير من العرب حتى داخل بلاده- أنه كان حريا بهذا البلد الكبير أن يطور قدرته النووية منذ زمن بعيد؛ ليس بسبب التطور النووي الإيراني العسكري المحتمل؛ بل لمواجهة الخطر النووي الإسرائيلي الماثل، والذي لم يتردد وزير خارجية إسرائيل - وقبل شهور معدودة - في التهديد باستعمال الترسانة النووية الإسرائيلية ضد المنشآت المدنية في البلد المذكور بالذات.