إن المتأمل في واقع مجتمعنا اليوم سوف يلمس وبكل سهولة مدى التدهور الأخلاقي وانعدام العديد من القيم الأخلاقية التي كانت تميزنا كمجتمع يمني مسلم، حيث نرى انتشار الجرائم بمختلف أنواعها ومظاهرها من قتل واعتداء وسفك دماء وسرقة ونهب وتقطعات ,وانتشار الكذب بصورة كبيرة وانتشار الرذيلة، بل لقد أصبح الحياء عملة نادرة، وانتشر التهور بين جموع الشباب، وغاب التوقير والاحترام داخل الأسرة, وداخل المؤسسات التعليمية، وتقطعت الأرحام، وقلّ الإخلاص والالتزام في العمل والأداء.. .الخ. من المظاهر التي تعبّر عن التدهور الأخلاقي في المجتمع. إن الاهتمام بتنمية القيم الأخلاقية في المجتمع يعد عاملاً أساسياً وهاماً لبناء دولة مدنية حديثة, فالأخلاق هي أساس بناء الأمم والمجتمعات, وصدق من قال: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا وللأسف الشديد نجد اليوم العديد من أفراد مجتمعنا اليمني المسلم يجتهد في العبادات وأدائها, ويقصر في كثير من الجوانب الأخلاقية التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف, متناسين تماماً أن الإسلام منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والعبادات, فالإسلام عُني بالأخلاق عناية بالغة حتى أن القرآن حين أثنى على الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجد أبلغ ولا أرفع من قوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وحتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلخص الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. والعبادات الإسلامية الكبرى ذات أهداف أخلاقية واضحة، فالصلاة وهي العبادة اليومية الأولى في حياة المسلم لها وظيفة مرموقة في تكوين الوازع الذاتي، وتربية الضمير الديني: {وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ،والصلاة كذلك مدد أخلاقي للمسلم يستعين به في مواجهة متاعب الحياة: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}، والزكاة وهى العبادة التي قرنها القرآن بالصلاة ليست مجرد ضريبة مالية، تؤخذ من الأغنياء، لترد على الفقراء إنها وسيلة تطهير وتزكية في عالم الأخلاق، كما أنها وسيلة تحصيل وتنمية في عالم الأموال:(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، والصيام في الإسلام، إنما يقصد به تدريب النفس على الكف عن شهواتها، والثورة على مألوفاتها، وبعبارة أخرى: إنه يهيئ النفس للتقوى وهى جماع الأخلاق الإسلامية: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، والحج في الإسلام تدريب للمسلم على التطهر والتجرد والترفع عن زخارف الحياة وترفها، وخضامها وصراعها، ولذا يفرض في الإسلام الإحرام ليدخل المسلم حياة قوامها البساطة والتواضع والسلام والجدية والزهد في مظاهر الحياة الدنيا: {الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وحين تفقد هذه العبادات الإسلامية هذه المعاني ولا تحقق هذه الأهداف تفقد بذلك معناها وجوهر مهمتها، وتصبح جثة بلا روح. ولا غرو أن جاءت الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد ذلك بأسلوب بليغ واضح. فتقول عن الصلاة: “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء، فلا صلاة له”، “كم من قائم (أي الليل بالتهجد) ليس له من قيامه إلا السهر”، وعن الصيام: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع” وهناك الكثير من الأحاديث والدلائل الشرعية التي تؤكد أهمية الأخلاق في حياة الفرد والمجتمع والأمة. إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى إيجاد مدخل جديد للتنمية الأخلاقية في مجتمعنا، يقوم على منح بعض الثوابت القيمية والأخلاقية معاني جديدة أو اهتمامات خاصة ببعض مدلولاتها، بغية التخفيف من حدّة وطأة التخلُّف والانهيار الأخلاقي الذي يجتاح مجتمعنا اليوم، فالعبادات لدينا بحاجة إلى توضيح دلالاتها وأبعادها ومعانيها, والتقوى في حياتنا المعاصرة بحاجة إلى إثراء مفرداتها كي تتناول بعض الفروض الحضارية، مثل : الإسراع إلى العمل، وإتقان العمل، وتطوير العمل، والمحافظة على الوقت، وحسن إدارته، والعمل المؤسساتي، وترسيخ مفهوم فريق العمل، والالتزام بالمواعيد، وحسن التصرّف بالإمكانات المتاحة، وترشيد الاستهلاك وكل هذه القيم المعاصرة لها أصول ثابتة في القرآن والسنة، ويمكن من خلال التربية والموعظة الحسنة أن نجعل الفرد المسلم يشعر بحلاوة الإيمان، وحلاوة الالتزام من خلال القيام بهذه الأعمال التي تقتضيها طبيعة العصر, فالتجديد النفسي والأخلاقي ليس نسخ أخلاق وإحلال أخلاق أخرى في موضعها، وإنما هو توسيع في مدلولات بعض المفهومات الأخلاقية، ومنحها أهمية أكبر في النَسق الأخلاقي العام. وختاماً أقول: ما أحوجنا اليوم كأفراد وجماعات إلى أن نستعيد منظومة القيم الأخلاقية التي فقدناها أو تخلّينا عنها من خلال إحياء هذه القيم في عقولنا وقلوبنا أولاً ثم العمل الجاد على تجسيدها في واقعنا وسلوكنا ومعاملاتنا اليومية وغرسها في عقول وقلوب أبنائنا وبناتنا وشبابنا عل مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة والنادي والمجتمع, وعبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد وصفحات ومواقع الإنترنت وغيرها من الوسائل التقليدية والتكنولوجية للاتصالات وتبادل المعلومات, بحيث يستعيد مجتمعنا عافيته وأمنه واستقراره وأخلاقه, ونضمن لوطننا ومجتمعنا اليمني مستقبلاً أفضل, ينعم فيه أبناؤه بالعيش الكريم والحياة الآمنة والتقدم والازدهار.