كل المسافات طويلة، بل طويلة جداً، في حياة الشعوب العربية، والشعب اليمني بالذات، بدءاً من المسافة بين الطفولة والفحولة، مروراً بالمسافة بين ولادة الذات وتحقيق الذات، وصولاً إلى المسافة بين نقطة الصفر وخط النهاية!! غير أن المسافة بين القصر والقبر، أو القصر والمطار، قصيرة جداً، في حياة حكام هذه الشعوب!! هذه قاعدة بدهية، لا تقل مصداقيتها عن جميع القوانين العلمية السارية في حياتنا، ممهورةً بأسماء ابن النفيس وابن الهيثم وابن سينا وابن خلدون واينشتاين وداروين ونيوتن وبافلوف وغيرهم. وقد بلغت جرثومة هذه الآفة أقصى مداها حين اقترفت بعض الأنظمة التوتاليتارية جريمة بحق شعوبها، عندما سَنَّت في "دساتير" دولها نصوصاً تقتضي "أبدية" عهد الحاكم أو النظام. كمثال أن تشير مادة ما في هذا "الدستور" إلى أن الشخص الفلاني يغدو حاكماً للبلاد "مدى الحياة"، أو أن منصب رئيس البلاد يجب أن ينحصر في الفئة الفلانية أو الطائفة العلانية!! وحتى من دون تحديد هذه الشروط، يكون عدم تقنين الأمد الزمني للولاية الرئاسية بفترة محددة مدخلاً إلى التأبيد، وبالتالي الحيلولة دون التداول السلمي للسلطة الأولى في البلاد!! ففي بلدان الديمقراطيات الراسخة تاريخياً -وحدها- توافرت دساتير تنص على مبدأ تداول السلطة سلمياً وديمقراطياً، وعبر قنوات وأدوات تتمتع بنزاهة كافية لتطبيق هذا المبدأ على نحو سليم. أما في بلدان الديكتاتوريات، فالدستور مجرد منديل ورقي زهيد الثمن وهابط الجودة، حيث لم يجرؤ زعيم في هذه البلدان على اختراق ذلك الكوكتيل الأخطبوطي الرهيب من ثالوث الدوغما والطوطم والتابو. علي عبد الله صالح جرؤ على اجتراح هذا الفعل الأسطوري، فهو الزعيم الوحيد -في منظومة الكتلة الجنوبية من الكرة السياسية الأرضية- الذي أوجد نصاً دستورياً نافذاً، يُقنّن ويُقوّض الأمد الزمني لولاية الرئاسة في الجمهورية اليمنية، ضارباً مثلاً في غاية الأهمية والخطورة على الزهد في الحكم! ولستُ أظن الرجل سيقبل أن يئد أحد هذا المنجز العظيم الذي أدخله التاريخ إلى جوار تحقيقه الوحدة المباركة!