سأظل –ما حييت– أتذكر تلك العبارة التي أطلقها، ذات مرة، معلق سياسي بريطاني رداً على سؤال لأحد مستمعي برنامج "السياسة بين السائل والمجيب" من إذاعة لندن: - "اليمن هو البلد الوحيد الذي يملك ماضياً لا يمكن التنبؤ به"!! فإذا كانت القاعدة البدهيَّة أن المستقبل هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن التنبؤ به، وليس الماضي، فكيف يكون ماضي اليمن بمثابة المجهول أو الغامض في هذه الحالة؟! الحق أن الأزمنة والأحداث المتواترة التي مرَّ بها هذا البلد، وما زال، تؤكد جميعها على الصحة المطلقة في مقولة ذلك المعلق السياسي البريطاني! فالموصوم –أمس- بالخيانة العظمى، يصير –اليوم- رائد الحركة الوطنية، والموسوم –حينها– بالديكتاتورية والتوتاليتارية، يغدو -غداً- سليل المجد الديمقراطي، والانفصالي –اليوم– وحدوي ذات يوم، والظالم –أمس– مظلوم بعض لحظات... حقاً إن "الإدانة" كانت –ومازالت– أكثر المفردات شيوعاً وتداولاً في قاموسنا السياسي المعاصر. وحقاً إن "الإدانة" كانت –ومازالت– أكثر الأحكام نطقاً ونفاذاً في ناموسنا السياسي المعاصر. بَيْدَ أن الغريب، بل والخطير، أن دليل هذه "الإدانة" القاطع لم يكن يوماً متوافراً البتة! ولذا ستظل مسألة توفير دليل "البراءة" غير مطلوبة على الإطلاق! فالذين أطلقوا أحكام "الإدانة" من دون إبداء أدلة قاطعة، بالأمس، هم أنفسهم –لا غيرهم– مَن يُطلقون أحكام "البراءة" اليوم، ومن دون إبداء أدلة أيضاً. وهذه الحال تقودنا، قسراً، إلى استبصار ثم اختيار أحد أمرين: - إن وعينا السياسي –وبالتالي قناعتنا السياسية– كان طوال الوقت مسلوباً، بكل ما تعنيه الكلمة من مرادفات قاسية على الوعي والوجدان معاً. - إن لعبة "الإدانة" الدورية –في الملعب السياسي اليمني– كانت طوال الوقت قائمة بين أطراف جميعها "بريء/ مُدان" أو "مُدان/ بريء" حتى تثبت هزيمته أو انتصاره. ولذا كان من الطبيعي (ولا أدري ما هي مقاييس وشروط "الطبيعي" هذا!) أن يغدو "مُدان" و"عدو" الأمس، "بريء" و"حليف" اليوم، والعكس صحيح!! [email protected] *رئيس تحرير صحيفة الوحدة نقلا عن السياسية اليمنية