"زي ما دخلنا بالمعروف نخرج احمد غراب بالمعروف". قال لهم: "دخول الحمام مش زي الخروج منه"، أنا ملك الملوك، وتوعد أن يحرقها بمن فيها وأطلق ألسنة اللهب من فمه، فلم يشعل الأرض، ولكن الأرض اشتعلت عليه وأخذت تضيق رويدا رويدا، فسقطت المُدن الليبية واحدة تلو الأخرى، واهتزت معاقله وحصونه فلم يجد مكانا على الأرض، فلجأ إلى الجو، وقصف بالطائرات، فسقط المزيد من القتلى من أبناء شعبه، وأصبح الحصار يلاحقه جوا وبحرا وبرا، وتجمّدت ملياراته في جميع بنوك العالم قاصيها ودانيها، ولم يعد للتفاوض مكان ولا للحوار سبيل، كلما انتدب رسولا إلى أهل قرية قالوا له: اذهب وحاور قتلانا في المقابر، فإن قبلوا الحوار معك فعلنا. غضب لنفسه ولم يغضب لشعبه، بل غضب وتكبّر وتجبّر عليه، وهتف: أنا أكبر والشعب أصغر. وأخذته العزة بالحُكم فلم يحصد سوى المزيد من الدّماء، توسّعت معها دائرة الغضب والكراهية. لم يخمد الثورة عليه بل أشعلها، ولم ينتقم من شعبه أو يدمّره أو حتى يضعفه بالقصف والترسانة العسكرية وزرع الفتن بل أزهق حكمه، وكتب بالفحم والدم تاريخه، ومحا كل ذكرى طيبة كان يحملها له الشعب يوما. لم تحفظ كبرياءه الدّماء التي سالت تحت أزيز مدافعه وطائراته بل لطخت رداءه وأصبح له في كل مدينة ضحايا وقتلى وقبور شاهدة عليه. وفي نهاية المطاف ماذا تغيّر؟! لم يخسر الكرسي فقط بل خسر شعبه وخسر نفسه وتاريخه، واشترى بؤسه الأبدي واثبت بالتجربة أنه ما أفلح حاكم وشعبه له كارهون، وما تواضع حاكم لشعبه إلا رفعه الله، لقد خسر كرسيّه؛ لأنه فضله على شعبه وأحبه كما لم يحب شعبه. لم يكن يرى في شعبه سوى حكمه وكرسيّه! ظن أن بقاءه بقاء للشعب، وزواله زوال له. كم كانت حساباته خاطئة حين ظن أنه عندما ينتقم ويشعل الفتنة في كل شبر في بلده فتسيل الدماء وتزهق الأرواح يمنح نفسه فرصة لتثبيت حكمه؛ ليكتشف في نهاية المطاف وبعد حصيلة من الضحايا والأرواح التي أزهقت أن كل ما فعله هو أنه استعجل نهاية حكمه وقصّر تاريخه في ذاكرة الأجيال القادمة على انجاز وحيد وهو مئات القتلى من المواطنين.