دعوة الانفصال التي نشطت في جنوب اليمن مؤخرا تعتبر هروبا من الواقع.. فاليمن بشطريه يعاني من سوء الإدارة والأوضاع الاقتصادية المتردية وليس الجنوب فقط .. وإن كان الجنوبيون يشعرون بأن ما يصيبهم أكثر وطأة مما يصيب أشقاءهم في الشمال. ولن يحل الانفصال أيا من مشاكل الجنوب اليمني، بل قد يزيدها تعقيدا، فقادة الجنوب تقاتلوا فيما بينهم عندما كانوا يحكمون البلاد، وجرت تصفيات دموية لبعضهم البعض.. إلى جانب إساءتهم لحكم البلاد وتحويل جنوب اليمن إلى دولة تعيسة يعيش مواطنوها في فقر وأمن مفقود.. بينما حققت الوحدة نوعا من الاستقرار وألغت فرص القتال الدموي بين القيادات المتصارعة. الحل للأزمة اليمنية يجب أن يكون حلا لمشاكل اليمن كدولة واحدة.. ولن يخدم الوحدة بروز جماعات مسلحه من الصعب السيطرة عليها مثل ( لجان الدفاع عن الوحدة ) و ( مليشيا الفضيلة ) و ( القوات الشعبية ) .. بل يجب أن يكون الحل عبر الاعتراف بالقصور الذي أصاب إدارة البلاد شمالها وجنوبها والسعي لمعالجته بشكل جدي ، وليس بالتصريحات وإطلاق الوعود ، كما جرى في السابق. اليمن لا تنقصها المشاكل والقضايا المعقدة ، فالنظام القبلي مستشر فيها ، والتمرد الحوثي ، الذي يكاد أن يبلغ الخامسة من عمره يتواصل بدعم من الداخل والخارج. وأفراد القاعدة يعودون من العراق إلى اليمن ليتمركزوا في جبالها ، وينطلقوا منها إلى الصومال وغيرها ، ثم يعودون إليها ..ولن يؤدي ما سمي " بالحراك السلمي الجنوبي " إلى قيام دولة صالحة في الجنوب اليمني .. بل إلى أن يتحقق ما قاله الرئيس على عبد الله صالح من أن البلاد ستتجه إلى ما وصفه "بالصوملة" و "العرقنة". طريق اليمن يجب أن يكون باتجاه إصلاح البلاد بجهد يتكاتف فيه اليمنيون شمالا وجنوبا .. والتعجيل بما وعد به الرئيس على عبد الله صالح من إجراء التعديلات الدستورية لتطوير النظام السياسي والانتخابي ، والانتقال إلى نظام للحكم المحلي تعطى فيه صلاحيات واسعة للأقاليم المختلفة ، والتسريع بجهود البناء والتنمية .. التي طال انتظارها ، وتعجز الأنظمة والإدارة الحالية عن تحقيقها.
ويجب أن ينظر اليمنيون إلى أنفسهم ، ويمعنوا النظر ، فلديهم كبشر قدرات واسعة ،.. بالإضافة إلى ثروات طبيعية في مجال الزراعة والثروة السمكية وغيرها وأن يفتح الباب على مصراعيه للاستثمار من اليمنيين وغير اليمنيين ، ويتم كف تلك الأيدي التي تفسد مشاريع الاستثمار وتسيء إلى سمعة البلاد. ولتنطلق مراكز الأبحاث داخل البلاد لدراسة كيفية الاستفادة من كل ذلك .. أليس معيبا أن يتمكن اليمني من بناء اقتصاديات العديد من البلدان، في جنوب وشرق أفريقيا وإندونيسيا وماليزيا والهند ودول الخليج، ويعجز عن ذلك في بلده ؟ وعلى الدولة أن تقوم بتحقيق كل ذلك عبر تهيئة الأجواء المناسبة حتى يشعر المستثمر اليمني وغير اليمني بأن استثماره ممكن أن يكون مفيدا له ولليمن، كمثال قد يكون من المناسب أن تدرس الدولة بجدية أسباب عجز ميناء عدن عن أن يحقق الهدف من تسميته ميناء حرا . ولا شك أن دول الخليج يهمها استقرار اليمن ، وأن دولا أخرى في العالم لديها مصلحة في هذا الاستقرار ، وتتحمل مسئولية في مساعدة اليمن على تحقيق أهدافه .. ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إذا عجزت الإدارة اليمنية عن تهيئة المناخ المناسب لاستفادة البلاد من الدعم الذي يتحصل عليه. لقد أتيحت للجنوب اليمني الفرصة لبناء دولة صالحة وعجز عن ذلك ، وعلى الجميع أن يجربوا بناء اليمن الواحد الذي يدعون جميعا الانتماء إليه .