تحولت أندية مانشستر سيتي الانكليزي وملقا الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي إلى القبلة المفضلة لنجوم الكرة في أوروبا، خاصة أولئك الذين بلغوا أرذل الأعمار وشارفوا على إنهاء مسيرتهم الكروية ويبحثون عن تأمين وضعهم الاجتماعي بشكل أفضل، والطريق مفتوح أيضًا أمام أندية أخرى على غرار ميونيخ 1986 الألماني وخيتافي الإسباني، وذلك بفضل الأموال العربية التي تم ضخها في خزائن هذه الأندية من قبل أثرياء عرب يطمحون إلى الاستثمار في مجال كرة القدم الأوروبية لتحقيق أهداف عديدة. واستغل الأثرياء العرب، خاصة القطريين منهم والإماراتيين، الأزمة المالية العالمية التي ضربت الكثير من أندية القارة العجوز ولاعبيها في الصميم، وأثقلت عاتقها بديون متراكمة، كادت تعصف بوجودها، ليتدخلوا كمالكي أسهم في هذه الأندية، مستغلين أيضاً التشريعات التي تسمح للأجانب بامتلاك الأندية كمساهمين.
ورغم أن التجربة العربية في إمتلاك أندية أوروبية تعود إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما استحوذ رجل الأعمال المصري الشهير دودي الفايد على ملكية نادي فولهام الانجليزي، ورغم أن تلك التجربة كانت ناجحة بعدما أصبح النادي ينافس على احتلال المراكز الأوروبية، إلا أنها لم تجلب إليها الانتباه، وتعاملت معها وسائل الإعلام، سواء العربية أوالعالمية، بشكل عادي، خاصة أنها لم تتبعها تجارب أخرى، إلا بعد مرور سنوات طويلة، خاصة أن الفايد لم ينفق كثيراً من الأموال، ولم يبرم صفقات كثيرة من العيار الثقيل.
غير أنه ومنذ العام 2008 أصبحت الأندية التي اشتراها العرب حديث الإعلام بشتى أطيافه، إذ خصها بتحليلات مفصلة، سعيًا منه إلى معرفة النوايا والأهداف غير المعلنة والأبعاد غير الرياضية لهذا الطوفان المالي الآتي، والذي وجد أمامه الأبواب مفتوحة على مصراعيها في ظل الحاجة الماسة للمال العربي.
ما يلاحظ بعد قرابة الثلاث سنوات من تحول الموضوع من مجرد حالة فردية إلى ظاهرة تسود الكرة في القارة العجوز هو أن الأثرياء العرب نجحوا في أولى خطواتهم، وهي إنقاذ الأندية الأوروبية المفلسة من الزوال، لكنهم لم يكتفوا بذلك، حيث وضعوا إستراتيجية تقوم على رصد ميزانية مالية ضخمة لاستقطاب أبرز اللاعبين والمدربين، بهدف تحويل تلك الأندية المتواضعة إلى أندية قوية لا تكتفي بدور الكومبارس، بل تنافس على البطولات والألقاب المحلية منها والقارية، وحددوا لذلك فترة زمنية لا تزيد عن الخمس سنوات لتحقيق الأهداف المنشودة.
ففي الدوري الانكليزي، وبعدما كان نادي مانشستر سيتي يلعب فقط من أجل الاستمرار مع الكبار، وفي أحسن الأحوال المنافسة على مرتبة تأهله لخوض غمار البطولة الأوروبية، انضم بعد شرائه عام 2008 من قبل شركة أبوظبي القابضة الإماراتية بقيادة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في صفقة بلغت 220 مليون يورو، انضم إلى كبار البريمير ليغ، والذين لم يعد عددهم أربعة، بل خمسة.
وأعلن الشيخ منصور مباشرة بعدها عن عروض للتعاقد مع أبرز اللاعبين ليدخل في منافسة شديدة مع كبرى الأندية المحلية والأوروبية في سوق انتقالات اللاعبين، بعدما رصد مبالغ مالية خيالية لشراء أي لاعب مهما علا سعره.
تحول على إثرها السيتزن من ناد متواضع إلى ناد لا يضم في صفوفه سوى لاعبي القمة، فتعاقد مع نجم البرازيل روبينهو من ريال مدريد، قبل أن يبيعه إلى ميلان ومع التوغولي ايمانويل اديبايور من ارسنال وكولو توري وشقيقه يايا توري والمدافع الألماني لنادي هامبورغ جيروم بواتينغ ب12 مليون يورو ودافيد سيلفا من فالنسيا الاسباني مقابل 35 مليون يورو والمدافع الصربي لنادي لاتسيو روما الكسندر كولاروف ب 24 مليون يورو.
كما انحنى لأموال الشيخ منصور المتمرد الايطالي ماريو بالوتيلي آتياً إليه من انتر ميلان مقابل 24 مليون يورو، ورفض الحارس الايرلندي شاي غيفن الاستمرار في وفائه لمحبي نيوكاسل من اجل عقد خرافي والاباتشي الأرجنتيني كارلوس تيفيز من مانشستر يونايتد والمهاجم البوسني دزيكو كلهم نجوم جاءوا إلى النادي الثاني لمدينة مانشستر، ليس حباً في ألوان النادي، ولكن طمعًا في إثراء حساباتهم المالية، بفضل المنح والمزايا التي أصبحت تغدق عليهم، فضلاً عن الراتب الشهري الخيالي الذي يتقاضاه كل لاعب.
كما جلب السيتزن بفضل أمواله العربية المدرب الايطالي الشهير روبرتو مانشيني من انتر ميلانو خلفا لمارك هيوز، الذي لم يعد اسمه يتماشي وطموحات النادي، ومالكه العربي الذي ومثلما رفع رواتب لاعبيه رفع أيضًا سقف أهداف النادي، حيث يخطط للاستحواذ على بطولة الدوري المحلي الذي لم ينله منذ 1976 ودوري أبطال أوروبا الذي تفتقده خزائنه في غضون خمس سنوات، واضعًا تحت تصرف مدربه الايطالي ميزانية تفوق ال100 مليون يورو عند نهاية كل موسم، لإبرام الصفقات التي يراها كفيلة بتحقيق طموحه وطموح محبي النادي التي لم تتحقق منها لحد الآن سوى بطولة كاس انكلترا التي توج بها نهاية الموسم المنصرم.
وفي إسبانيا، وضع رجل الأعمال القطري الثري الشيخ عبد الله بن ناصر يده على نادي ملقا في يونيو 2010 مقابل 36 مليون يورو، بعدما اكتفى في بداية الموسم الماضي بالتعاقد مع المدرب الشهير مانويل بيليغريني المدرب السابق لريال مدريد و فياريال، ويتجه هذا الصيف إلى السير على منوال الشيخ الإماراتي منصور.
فقد أبدى بن ناصر استعداده لدفع أكثر من 100 مليون يورو لاستقطاب النجوم الذين يراهم بيليغريني قادرين على جعل ملقا ينافس العملاقين برشلونة وريال مدريد على الدوري، وتقدمت فعلاً إدارة الفريق بعروض مغرية للعديد من النجوم، ولو أنها تركز في خطواتها الأولى على أولئك الموجودين في نهاية مشوارهم الكروي.
وتمكنت من إبرام خمس صفقات بداية مع الهولنديين المخضرمين الهداف رود فان نيستلروي صاحب ال35 سنة ومواطنه المدافع يوريس ماتيسن ذو ال32 سنة الآتيين من هامبورغ الألماني والدولي الاسباني الظهير ناتشو مونريال من اوساسونا مقابل سبعة ملايين يورو والأرجنتيني اليافع دييغو بونانوتي من ريفر بلايت، وأخيرًا المهاجم الفرنسي لنادي اولمبيك ليون جيريمي تولالان بحوالي عشرة ملايين يورو.
كما وضع ملقا نصب أعينه كل من ديدييه دروغبا مهاجم تشيلسي والمدافع البرازيلي لانتر لوسيو مستغلا رغبة فريقيهما في التخلص منهما لتقليص أتعابهما المالية.
ونجح المالي القطري في أول موسم من إنقاد الفريق من الهبوط مبكرًا بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة الليغا الموسم 2009-2010 وجعله ضمن مصاف الكبار.
وفي فرنسا وبعد ساعات قليلة على إعلان شراء مجموعة قطرية غالبية أسهم نادي باريس سان جيرمان بدأت التقارير الإعلامية تتحدث عن قدوم نجوم ما كان محبو البي اس جي ليحلموا برؤيتهم بألوانه لولا المال القطري الذي سيتدفق علي خزائنه.
فقد أكدت ان أولى الصفقات هي استقدام البرازيلي ليوناردو من نادي انتر ليس كمدرب، بل سيشغل المدير الرياضي مهمة إتمام أغلى وأقوى الصفقات مع النجوم المستهدفين بعدما وضعت تحت تصرفه مائة مليون يورو، وبات البي اس جي مرشحًا هذا الصيف للتخلص من البيات الذي ميزه المواسم الماضية في سوق اللاعبين، وآخر الصيحات هو الاقتراح القطري على المدرب البرتغالي لريال مدريد جوزيه مورينهو، حيث عرض عليه تدريب باريس سان جيرمان مقابل شيك على بياض يحدد فيه الراتب الذي يريده.
والهدف واضح هو إحداث انقلاب أبيض يستعيد بموجبه البي اس جي عرش الكرة الفرنسية الذي لم ينله سوى مرتين في تاريخه الذي يمتد ل41 سنة.
وبالنظر إلى الأوضاع المالية والاقتصادية التي تعيشها أوروبا وتفاقم ديون الأندية يرجح أن يتزايد عدد الأندية المملوكة للعرب.
وقد ساهمت ظاهرة المال العربي في ارتفاع أسعار اللاعبين والمدربين بفعل اتساع السوق، وأصبح أمام اللاعب خيارات أكبر.
ويرشح المتتبعون أن تكون لها تداعيات أكثر في المستقبل القريب، تفقد معه كبرى الأندية السيطرة على عرش القارة العجوز، وقد تؤدي إلى تأسيس نقابة جديدة على شاكلة مجموعة ال14 تهدد اتحاد الفرنسي ميشيل بلاتيني غير المرحّب بوجود المال العربي في أوروبا.