احتلت سيناء واقع التحسبات المصرية وربما الاقليمية، انطلاقاً مما تناقلته وسائل الاعلام وجسده الواقع من تواجد لمجموعات مسلحة في شبه الجزيرة، وما ينطوي على ذلك من تهديد لأمن مصر القومي، خاصة في إطار ما يشاع حول اعتزام تنظيمات راديكالية فصل سيناء عن مصر وتحويلها الى إمارة إسلامية مستقلة، ودار الحديث في حينه عن تنظيم القاعدة، وجيش "فتح الاسلام" التابع للتنظيم الارهابي، واعتزامه شن هجوم مسلح انطلاقاً من سيناء ضد اسرائيل. وزاد من تفاقم الوضع تأكيد آلة الاعلام العبرية، اعتزام الجيش الاسرائيلي بناء قاعدة عسكرية "مركزية" جديدة في الجنوب الاسرائيلي، او بعبارة أخرى تدعيم التواجد العسكري للدولة العبرية على الحدود المصرية، استعداداً لما قد يترتب على تطورات الوضع الامني في سيناء من انعكاسات تهدد امن اسرائيل القومي. مشاهد ملبدة بالغيوم هذا الملف الشائك اثار انتباه "ايلاف"، على خلفية علامات الاستفهام العديدة المثارة حوله، وما يتزامن معها من مشاهد ملبدة بالغيوم، تعكس واقعاً مجهولاً لمستقبل استراتيجيات الامن القومي في منطقة الشرق الاوسط، بحسب خبير الشؤون الاستراتيجية احمد عز الدين، الذي القى الضوء في حديث خاص ل "إيلاف" على جوانب غير مطروقة في تلك الاشكالية، إذ نفى جملة وتفصيلاً ما يشاع حول اعتزام جهات راديكالية اقامة امارة إسلامية في شبه جزيرة سيناء، معتبراً ان هذا الحديث يخالف الواقع جملة وتفصيلاً، وان الترويج له يخدم مصالح اجنبية ترغب في التأثير سلباً على وضعية مصر الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط وربما على مستوى العالم. الى ذلك اوضح خبير الشؤون الاستراتيجية احمد عز الدين في حواره مع "إيلاف" العديد مما وصفه بالحقائق الغائبة عن طبيعة ما يدور في شبه جزيرة سيناء، واستفاض في الحديث عن اشكاليات اخرى ذات صلة بشبه الجزيرة المعروفه ب "أرض الفيروز". بادئ ذي بدء، ما صحة ما يشاع حول اعتزام جهات راديكالية مثل تنظيم القاعدة الارهابي تحويل شبه جزيرة سيناء الى إمارة اسلامية؟ لا اعتقد ان هذا الحديث ينطوي على أدلة تعكس الواقع الامني في شبه جزيرة سيناء، فسيناء هى بوابة مصر الشرقية، ولن يُسمح لأية جهة داخلية او خارجية بالتلاعب بأمن مصر القومي، وما يجري في سيناء هو نتيجة لعدم تعافي جهاز الشرطة في مصر، نتيجة لأحداث ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، فما ان تعود الشرطة لوضعيتها السابقة وتسترد عافيتها، سيعود الامن والامان الى سيناء مجدداً. وماذا عن الحشود العسكرية المصرية (الجيش والشرطة) التي بدأت تتوافد بشكل مكثف على سيناء؟ الا يعني ذلك ان هناك قلق وتحسب امني؟ كما قلت هناك قلق، والقلق يتطلب يقظة امنية في سيناء وفي غيرها من المناطق والمدن المصرية للسيطرة واستتباب الأمن، ولعل هذا هو ما يحدث بالفعل، ولكن ينبغي وضع الامور في نصابها الصحيح، فهناك فارق بين العمل ضد مجموعات مسلحة في سيناء وبين تنظيم كتنظيم القاعدة. امارة اسلامية في سيناء فما تصنيفك إذاً للمجموعات التي يعمل الجيش والشرطة ضدها في سيناء؟ في البداية علينا ان نضع تصنيفاً صحيحاً لما يجري في سيناء، فالإعلان حالياً عن وجود لتنظيم القاعدة في سيناء، ومساعي تنظيمات راديكالية لاقامة إمارة اسلامية في المنطقة عينها، يعكس محاولات جهات اجنبية واخص بالذكر اجهزة استخبارات اجنبية خلق اختناقات امنية في الداخل المصري، ويمكن ان يُطلق على هذه المرحلة مرحلة "شد اطراف" مصر. المجموعات المسلحة التي تعمل في سيناء حالياً هى اصابع لأجهزة استخباراتية أجنبية تتصدرها الاستخبارات الاسرائيلية "الموساد"، فهذه المجموعات ليست قوى مستقلة، كما انها لا توجد في سيناء فقط، وانما تمارس نشاطها المشبوه في شرق مصر على الحدود مع ليبيا وفي الجنوب على الحدود مع السودان، وتمارس تلك المجموعات عمليات "شد اطراف" مصر، ويؤكد ذلك نوعية الاسلحة التي تستخدمها، إذ انها في معظمها رشاشات آلية متطورة وبنادق متقدمة جداً في القنص، وتواصل تلك المجموعات تبني استراتيجيتها ولعل ذلك بدا واضحاً جداً عندما تم التهديد بإغلاق قناة السويس والتأثير على مسارها الملاحي، ومن هذا يتضح ان الامور اوسع بكثير من مسألة إقامة إمارة اسلامية في سيناء، او وجود لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة. وما هدف تلك المجموعات من استراتيجية "شد الاطراف" التي يدور الحديث عنها؟ الهدف الرئيسي لتلك المجموعات هو وضع مصر في بوتقة الضغوط متعددة الاتجاهات، ويؤكد ذلك تفجر الاوضاع الامنية المتتالي في سيناء، بالاضافة الى رغبة هذه المجموعات في تشتيت تركيز الجيش وبعثرة القوة الامنية، خاصة ان الشرطة المصرية لم تتعاف بعد، والهدف من ذلك عندما يدور الحديث عن إغلاق الملاحة في قناة السويس هو تعطيل دور مصر الاستراتيجي، ولعل ذلك هو الهدف الاسرائيلي الاول سواءاً كان ذلك في الماضي أوالحاضر وحتى في المستقبل. برأيك هل من الممكن ان يكون للاستخبارات الايرانية والحرس الثوري في طهران دور في محاولات تقليص الدور الاستراتيجي لمصر؟ أنا شخصياً لا اعتقد ذلك، سيما انه ليست للايرانيين ثمة مصلحة كبيرة او مباشرة من تفجير الوضع في سيناء او في غيرها من المناطق المصرية، وربما يعود ذلك لعدة اسباب اولها: ان ايران مقبلة على مرحلة مغازلة الثورة المصرية، وترغب في توطيد علاقتها بمصر، ثانياً ان الوضع في الخليج بات مضطرباً، ثالثاً وجود ازمة حقيقية في سوريا ولدى حزب الله، وفي ظل هذه الاجواء لا يمتلك الايرانيون فرصة حقيقية للعبث في مصر، او فتح جبهات جديدة مناوئة لها، بالاضافة الى ان ايران تعلم في النهاية ان مصر قادرة على ضبط قواعد اللعبة جيداً لصالحها. بعثرة وتفريق قوى الجيش انشغال الجيش المصري ب "تطهير سيناء" والعمل على مسار الامن الداخلي هل يبعثر او يفرق قوته؟ أستطيع أن أجزم بأن تفعيل دور الجيش داخلياً لم ولن يكن على حساب دوره في الدفاع عن حدود البلاد وأمنها القومي بمفهومه الشامل، فقوات الجيش المنتشرة في الداخل المصري تقتصر على بعض وحدات الشرطة العسكرية وغيرها وهذا لا يمثل نسبة تُذكر من قوى الجيش المصري الحقيقية. الوضع الامني السيئ في سيناء تحديداً لم يكن وليد اليوم، ولم يكن نتاجاً لانعدام تعافي الشرطة، وانما جرى الحديث عنه قبل ثورة يناير بفترة طويلة، برأيك ما السر في ذلك؟ الوضع السيئ في سيناء يترتب على ما تفرضه اتفاقية السلام مع اسرائيل، خاصة البند "ج" الذي يحجم وضع قوات من الجيش المصري في مناطق معينة في سيناء، وحاولنا لمرات عديدة تعديل بنود الاتفاقية بما يسمح بفرض قبضة الجيش بشكل اكبر على سيناء ولكن دونما استجابة من اسرائيل. ولكن اسرائيل سمحت في الايام الاولى لثورة يناير باقتراب قوات الجيش المصري من الحدود مع اسرائيل؟ هذا صحيح ولكنه لا يمثل جزءاً ضئيلاً مما نطمح اليه من تعديلات، كما ان ما يتم التباحث حوله في هذه النقطة لا يتجاوز الحديث، ولا يخرج عادة الى حيز التنفيذ على ارض الواقع. وماذا عن المجموعات الفلسطينية المسلحة في سيناء؟ هناك مجموعات فلسطينية تنتمي الى حركة فتح كانت تعيش في قطاع غزة، وبعد الانقسام الفلسطيني تسربت تلك الجماعات الى رفح المصرية اي الى سيناء، واعتقد ان تلك الجماعات ملتزمة ولا تعتزم القيام بأي عمل يتعارض وامن مصر القومي، وذلك على خلفية ما رددته بعض وسائل الاعلام من اعتزام تلك الجماعات بتنفيذ عمل مسلح في المستقبل المنظور ضد اسرائيل. ميزان القوى الاستراتيجية برأيك ما اسباب اقدام اسرائيل على بناء قاعدة عسكرية "مركزية" جديدة في الجنوب اي قرب الحدود المصرية؟ لم تستطع اجهزة اسرائيل الاستخباراتية بما في ذلك الموساد والشاباك وامان التنبؤ بثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، وهو الحال الذي باتت عليه الان، إذ انها ليست على يقين بما يمكن ان يسفر عنه المستقبل المنظور فيما يتعلق بتوقعات ميزان القوى الاستراتيجية في المنطقة، وربما اقدمت اسرائيل على تلك الخطوة للحد من القلق الذي بات يسيطر عليها، فرغم اعلان مصر التزامها الرسمي باتفاقية السلام مع اسرائيل، الا ان الاخيرة ما زالت متخوفة مما قد يحمله المستقبل، وتتحسب من امكانية هيمنة سلطة ذات توجهات اكثر شدة وتطرفاً على امنها القومي. ما المشكلة التي تواجهها اسرائيل حالياً في منطقة الشرق الاوسط بما في ذلك مصر؟ المشكلة في اسرائيل نفسها، فتلك الدولة تتحسب من اية خطوات تقليدية تتخذها دول الجوار، رغم ان تلك الخطوات تجري في اطارها المعتاد، على الرغم من ذلك ليست لاسرائيل ما يعرف ب "الورقة البيضاء"، التي تحدد فيها نواياها ومبادئها وتوجهاتها الاستراتيجية، الامر المعمول به في العلاقات الدولية ليس بالنسبة لدول الجوار الاسرائيلي فقط، وانما لدى مختلف دول العالم، وتتضمن هذه الورقة بعض العمليات العسكرية والمناورات، ويتضح من ذلك انه من الاحرى توجس دول الجوار الاسرائيلي من اسرائيل وليس العكس. الا يمكن ان تقدم اسرائيل على عمل استباقي مسلح ضد ما تصفه بتنظيم القاعدة وجيش فتح الاسلام في سيناء؟ اعتقد ان الوضع الاستراتيجي العام في منطقة الشرق الاوسط مرتبك، ولا اعتقد ان اي طرف سيقدم على عمل يمثل اخلالاً بالاتفاقيات الموقع عليها سلفاً.