جددت جماهير الثورة في ساحات الحرية وميادين التغيير بمحافظات الجمهورية اليمنية تمسكها بالهدف الذي حددته لحركتها الشعبية في المجال السياسي وذلك من خلال تسمية إحدى جمعها ب"جمعة الدولة المدنية" في سياق الحسم القاطع والمطلوب منها سياسيا وثوريا تجاه اللغط الذي أثاره هجوم الأخ عبدالمجيد الزنداني على دعاة الدولة المدنية ودعوته الى "دولة إسلامية". وإذا كان في الموقف الحاسم لجماهير الثورة في الميدان كفاية مرضية في الرد على محاضرة الأخ الزنداني, فإن القضية محل الجدل تمثل إشكالية فكرية وعملية في المجال السياسي العربي عامة واليمني خاصة, تستدعي حوارا جادا ومسؤولا حول طبيعة الدولة وقيم نظامها السياسي العام يتجنب الإثارة والكيد السياسي للوصول الى بيان مبين حول معاني ودلالات الوصف الذي يتجاذب الدولة بين الدين والمدنية. ليس الأخ الزنداني وحده من يتشدد في تمسكه بإضافة وصف "الإسلامية" الى الدولة التي تتطلع الشعوب العربية الى إقامتها بديلا لدول الطغيان والفساد, فهناك معه في هذا الرأي جماعات وأحزاب وحركات تتوحد على توصيف الدولة ب"الإسلامية" وتختلف اختلافا كثيرا وكبيرا حول ماهية هذه الأسلمة في بنية ووظيفة السلطة السياسية الحاكمة, ففي اليمن وعلى الأرض الموحدة تاريخ معاصر من الافتراق السياسي بين جماعات سلفية يقبل بعضها التعددية والانتخابات ويرفض بعضها ذلك بذات المرجعية الدينية الواحدة بينهما. ولاشك أن الاختلاف الكبير والكثير بين الاخ الزنداني وتنظيم القاعدة واضح ولا يحتاج الى بيان, كما أن الفقه السياسي بين الزنداني والحوثيين مختلف هو الآخر بوضوح, وهذه معطيات ثابتة في المجال السياسي العربي على طول تاريخ مجتمعاته مع دين الإسلام وعليها قامت مآسي الصراع الدامي على الملك والحكم وويلات الاقتتال على ولاية سلطاته وإدارتها. وحتى لا نتوه في تشعبات القضية ونتوه القارئ في مقدماتها الخاصة بالمنشور, من محاضرة الاخ عبدالمجيد الزنداني في وسائل إعلام محلية تقول إننا سنعتمد في محاورة آراء الاخ عبدالمجيد على ما ورد في رد مكتبه الإعلامي المنشور في العدد الصادر يوم الأربعاء 13/7/2011م من صحيفة الأولى والمتضمن تصويبا لما نشر فيها حول مضمون محاضرته. جاء في الرد المذكور ما نصه:"إن الشرعية التي طلب الشيخ الزنداني ممن يخالفها مراجعة دينه هي الشرعية التي مرجعها الكتاب والسنة وإجماع الفقهاء" ذلك أن الاخ الزنداني –حسب رد مكتبه- تساءل عن ماهية "الشرعية الثورية" وأعقب تساؤله بشرح وتوضيح بين فيه أن هناك شرعيتين: الأولى: شرعية وضع القوانين والأحكام والتشريعات وهذه لله المرجع فيها للعلماء. كما أكد الرد ما ذكرته صحيفة الأولى حول تمسك الاخ الزنداني بدستور الجمهورية اليمنية باعتباره حسب وصفه من أحسن وأرقى الدساتير. وإذ قبل الاخ الزنداني بتعديل الدستور فإنه اشترط ألا يمس هذا التعديل ما قال إنها المواد الإسلامية فيه حيث اعتبرها "موادا جامدة وثابتة ولا يجوز أن تعدل". قبل مناقشة هذا الرأي السياسي للأخ الزنداني أدعو القارئ الى قراءة أنموذج للأسلمة قدمه الاخ الزنداني وحزبه للشعب اليمني عند قيام دولة الوحدة من خلال معارضة دستورها بدعوى مخالفته للإسلام ثم العمل على إسقاط هذا الدستور باستخدام القوة المسلحة في كارثة حرب صيف العام 1994م ونتائجها التي مكنت شركاء الظفر العسكري من أسلمة دستور دولة في عملية تعديل شملت قرابة 85 مادة. كرس الدستور الذي يمتدحه الاخ الزنداني التسلط الفردي العصبوي وأقام نظاما للمفاسد التي أفحشت في البغي على حقوق شركاء الوحدة وظلم أبناء الجنوب وإطلاق يد العبث التي نهبت المال العام والخاص وأراضي الدولة ومواطنيها بغير حق معلوم بأي شرع أو عرف لأن التأميم كان عملا منظما مارسته الدولة باسم الاشتراكية, أما النهب فكان جريمة مارسها المفسدون من ذوي السلطة والنفوذ بالخروج على الدستور الإسلامي وشريعته وبغير أي قانون او دور للدولة وسلطة الحكم. لم تمنع المواد التي يصفها الاخ الزنداني بالإسلامية رهط الفساد من ان يعيثوا في ارض الجنوب فسادا تكاثر بطغيان التسلط الفردي وعصبياته الأسرية والعشائرية, فهل يريد الاخ الزنداني دستورا محشوا بالكلمات التي تزخرف القول غرورا بنسبتها الى الاسلام وتحت بريقها يمارس الحكام فواحش الإجرام والإفساد؟ أما الشرعية التي أرجعها الاخ الزنداني لله فإنه قد جعل مرجعيتها أو مرجعها من وصفهم بالعلماء, فإننا نقول له إن المعلوم عندنا بالضرورة هو أن الله لا يعين للناس الحكام عليهم أو يفوضهم الحكم باسمه, فليس لله أبناء وأحياء بل بشر من خلقه, والذين يمثلون الكتاب والسنة هم كل المؤمنين بها وهم في حالتنا هذه الشعب اليمني, أي أن هذا الشعب هو صاحب السلطة ومالكها, ومصدر شرعيتها السياسية ولاية وإدارة وعليه فهو المرجع الوحيد حتى في تسمية من يسميهم الأخ الزنداني, العلماء أو الفقهاء. هنا نتمسك بالدولة المدنية ولن نراجع ديننا لأننا نعلم يقينا ونؤمن صدقا وحقا أن الاسلام أسقط سلطة رجال الدين على الدين والمؤمنين به, فلا كهنوت ولا كهنة في الاسلام. أما إذا أصر الاخ الزنداني على أنه المرجع الممثل لله في الشرعية التي حددها له سبحانه, فنقول له إن الأولى بهذا هم القائلون بالنص على حصر الامامة في البطنين وعلى الاخ الزنداني ان يراجع عقله في هذه المسألة. في الدولة المدنية يحتكم النظام السياسي لمرجعية قيم الحرية والمساواة والعدل وتقوم بنية السلطة في هذا النظام على المواطنة التي تمنح المواطن حقوقه السياسية وواجباته في الوطن الذي يتساوى فيه كل مواطنيه بعيدا عن مفاسد الطغيان الذي يجعل مواطنيه شيعا من المشايخ والرعية, أو شيوخ الدين والأتباع, ولعلي أسأل الأخ الزنداني هنا أنه إذا كنا كلنا مسلمين, فلماذا لا يكون الشعب المسلم مرجع كل شرعية؟ وتكون شرعية من يختارهم الشعب للسلطات الحاكمة باسمه, ونتساءل فقط لأننا جربنا من أسلمة الأخ الزنداني نموذجا في مجلس النواب, حين يفتتح أعضاء هذا المجلس جلسات النهب المنظم للمال العام فيما يسمى الاعتماد الإضافي للميزانيات العامة للدولة باسم الله والله بريء مما يقترفونه من فساد ومفاسد فلماذا لا ننزه الله عن فواحش فعلنا ونمارس هذا الفعل باسم أهله حقا والمسؤولين عنه صدقا وعدلا, وهم الشعب؟ نريد الدولة المدنية ليتصارع الأخ الزنداني مع مخالفيه من سلفيين وجهاديين وحوثيين وعلمانيين على ولاية السلطة وإدارتها سلميا بشرعية مرجعها الشعب بدون مآسي الاقتتال وفواحشه الظاهرة في أفغانستان والصومال باسم الله والإسلام.