ينص القانون الإيراني على أن كل مبنى عام يجب ان يكون فيه مصلى، ولكن من يطوف إيران سيجد قلة من الأحذية خارج غرف الصلاة، في محطات الحافلات والدوائر الرسمية والمجمعات التجارية. وقال مدير دائرة رسمية "نحن نأخذ قيلولة في مصلى دائرتنا بعد الغداء". كما أن الآذان أصبح نادرًا ما يُسمع بعد أن قرر المسؤولون، إسكات المؤذن إرضاء لإيرانيين احتجوا على ما وصفوه بضوضاء يحدثها صوت المؤذن. وكان التلفزيون الرسمي يقطع نقل مباريات كرة القدم بمواعظ يبثها مباشرة على الهواء عندما يحين موعد الصلاة. والآن يُظهر رمزا صغيرا للصلاة في زاوية من الشاشة. الإيمان اختفى وهذا كله في أول نظام لاهوتي والوحيد في العالم، كما هي إيران اليوم، ويلاحظ مراقبون أن الإسلام يقوم اليوم بدور أصغر في الحياة العامة منه قبل عشر سنوات. ونقلت مجلة الإيكونومست عن ابنة رجل دين كبير قولها "إن الايمان اختفى في الغالب وان الاشمئزاز حل محل المذهب". وفي حين أن الأنظمة الاستبدادية العلمانية في العالم العربي حاربت الإسلام طيلة عقود، فأوجدت سبباً للتعبئة ضدها ومن أجل انهاء مظالم سياسية عديدة ناجمة عن هذا القمع، فان العكس هو ما حدث في إيران. وأسفر تحويل المذهب الشيعي إلى ايديولوجيا رسمية عن إضعاف الدولة والمسجد على السواء.
العولمة وتتمثل المفارقة الكبرى للثورة الاسلامية في ان الملالي عملوا دون ان يدروا على عولمة البلد أكثر مما حققه الشاه الذي حكم إيران من 1953 إلى 1979 حاول خلالها ان يبني دولة بوليسية علمانية حديثة ولاحق رجال الدين المعارضين لنظامه. ولكن الملالي بفرض الدين على الناس، سمموا العبادة بالنسبة للكثيرين الذين ضاقوا ذرعا بالمواعظ التي تُلقى عليهم وتوقفوا عن الاستماع اليها، بحسب مجلة الايكونومست. وقال دبلوماسي من جنوب اوروبا ان إيران "بلد اسلامي مثلما أن ايطاليا بلد كاثوليكي. فالجميع يدَّعي الإيمان، ولكننا نغش بشأن ضرائبنا ونخدع زوجاتنا". وما زالت المرأة الإيرانية تتحجب خارج البيت وممنوعة من الملاعب الرياضية وما زالت الحافلات تمارس الفصل بين الجنسين، حيث تجلس النساء في الخلف وراء حاجز. ولكن عدد الطالبات في إيران يفوق عدد الطلاب بنسبة 2 إلى 1 في العديد من الجامعات الإيرانية، حتى ان دعوات أُطلقت تطالب بتحديد حصة للذكور. وأظهرت دراسة اجراها البرلمان الإيراني مؤخرا ان 80 في المئة من الإيرانيات غير المتزوجات على علاقات مع رجال.
شارع وقت اللهو ولا يتبدّى العزوف عن المذهب الرسمي في إيران كما يتبدى في مدينة قم عاصمتها الدينية. فالزوار يتوافدون على الأماكن المقدسة للاستماع إلى خطب تندّد بالغرب يلقيها آيات الله معممون. ولكن هذا مظهر خارجي في الغالب، فإن الدوائر الحكومية والمدارس الدينية، تتوارى خجلا أمام شارع الشهيد الذي يسميه السكان المحليون "شارع وقت اللهو"، بحسب مجلة الايكونوست مشيرة إلى مركز "بيرل" التجاري متعدد الطوابق حيث دمى العرض في محلات الملابس النسائية ترتدي سراويل جينز ضيقة. وازداد عدد سكان قم خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، عشرة اضعاف إلى 1.5 مليون نسمة. وأثرت المدينة وملاليها من الزيارات الدينية، وقال طالب سابق في إحدى المدارس الدينية، إن العلاقات بين غير المتزوجين من الجنسين متفشية في قم بشكل صارخ. ونقلت مجلة الايكونومست عنه "ان الحياة الخاصة مليئة بالفساد ولدينا أعلى معدل لاستهلاك الكحول في البلاد". ويختلط الرجال والنساء علنا في المقاهي التي كانت تُغلق في وقت مبكر لكنها تبقى الآن مفتوحة حتى ساعة متأخرة من الليل. وكان البرقع شائعًا بين النساء ولكنه مُنع بعد ان دخل ثلاثة رجال مبرقعين مدرسة محلية، وراحوا يتحرّشون بالبنات.