على الرغم أن الحركات الإسلامية لم تبدأ بالثورة في اليمن، إلا أنها تشغل حيزا كبيرا على مصير البلاد. فتوكل كرمان، عضوه سابقة في التجمع اليمني للإصلاح، وهو تجمع يضم جماعة الاخوان المسلمين في اليمن، فازت بجائزة نوبل للسلام في عام 2011 لحملتها السياسية الدؤوبه. وحذر مؤيدي الرئيس علي عبد الله صالح المنتهية ولايته من التنامي المتواصل لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP)، حتى بعد مقتل الداعية أنور العولقي بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار. ولكن كما هو الحاصل في العالم العربي، قدمت الثورة اليمنية على حد سواء فرصا وتحديات للإسلاميين بها. وقد لعبت ما لا يقل عن خمسة تيارات اسلامية مختلفة أدوارا هامة في الأحداث الجارية – بعض منها أفضل حالا من غيرها. ويجب على أولئك الذين يناضلون لإحداث انتقال سياسي في اليمن أن يتعرفوا على الصراعات الداخلية والمذهبية بين هذه التيارات الاسلامية، وأن يكونوا على استعداد للدخول معها كجزء من المشهد السياسي في البلاد. ولا شك أن التيار الإسلامي الذي كان له نصيب كبير في المشاركة في الثورة الشعبية هو حزب الإصلاح. بالرغم أن حزب الإصلاح يوصف على أنه الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسملين ، ولكن ينبغي الفهم أن التجمع يضم زعماء قبليين محافظين ورجال أعمال مشهورين. وفي الأيام الأولى من بداية "ثورة الشباب" من عام 2011، المطالبة لعلي عبد الله صالح بالرحيل، بدأ الإصلاح مترددا في تأييد "ثورة الشباب".كجزء رئيسي من أحزاب اللقاء المشترك (أحزاب اللقاء المشترك)، وهو تكتل يضم أحزاب المعارضة أنشأ في أوائل عام 2000، ظهر الإصلاح على استعداد لتقديم التنازلات والقبول بالحوار مع النظام، ليصبح بعد ذلك المحاور الرئيسي مع النظام. وعندما لاح في الأفق أن صالح بدأ يفقد السيطرة في أواخر ربيع الثورة، حينها توجه الإصلاح لأخذ موقف كعنصر فاعل رئيسي في العملية الثورية. وأدت قدرة الإصلاح على الحشد من خلال المساجد والمنظمات الغير حكومية وناشطيه إلى إعادة هيكلة وتنظيم الكثير من الثورة سواء من الناحية البدنية/البشرية أو من ناحية إعداد البرامج والأنشطة. ولا يبدو أن هناك أي تنظيم أو حركة أخرى قادرة على مجاراة الإصلاح في هذا الشأن. وهذا ما جعله كوسيط رئيسي في اللعبة السياسية التي تتكشف خلال المرحلة الانتقالية، وحتى "شباب الثورة" يشكون أن الإصلاح قد خطف/سرق ثورتهم. ونتيجة للانتقادات الشديدة الموجهه إلى قيادة حزب الإصلاح التي تبدو أنها مستعدة على إلى ترك اللاعبين السياسين الآخرين من الوهلة الأولى. فهي لم تطالب بمنصب رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية التي تم الإعلان عنها في نوفمبر تشرين الثاني 2011. ولكن ليس هناك مجال للشك حول قدرة التجمع اليمني للإصلاح على حشد الناخبين على نطاق واسع عندما يتم إجراء انتخابات عامة. وأيضاً يحاول الإصلاح جاهدأ مع حلفائها القبليين إلى دحض القول الذي يقول أن بدائل صالح أو بدائل النظام غير موجودة أو تفتقر إلى المسئولية. وهناك تيار أقل مفهوميه وهو تيار السلفيين المعتدلين، على رأسهم يحيى الحجوري القائم بأعمال معهد دار الحديث بمنطقة دماج في صعدة، الذين أكدوا مرارا موقفهم من الولاء للنظام من أجل محاربة الفوضى على حد وصفهم. وقد لعب هذا الفرع من خلال استخدام المصطلحات الدينية إلى نزع الشرعية عن الانتفاضة الشعبية، ووصم "شباب الثورة" وكذلك الاخوان المسلمين في نظرهم على أنهم المستفيدين الأساسيين من الثورة بأنهم "اعداء الاسلام". ولكن يرى أن السلفييون تحولوا إلى دعاة للاستقرار إذا تدهور الوضع بشكل كبير. وفي الواقع، في حين لا تتوافر بيانات دقيقة، يبدو أنهم فقدوا القوة خلال العام الماضي. ولكن نظرة السفليين آخذة في التغير في مواجهة الثورة الشعبية. وقد انخرط فرع معتدل من السلفية بشكل متزايد في العمل السياسي على مدى السنوات القليلة الماضية، وبالتالي التخلي عن مسائل الولاء وانتقاد الحزبية. فهؤلاء السلفيين المسيسين ترى أن الثورة اليمنية بمثابة فرصة جديدة للانخراط العلني في المجال السياسي. وتأييدأ للثورة، ونتيجة لنجاح حزب النور في مصر، أعلن أعضاء في جمعيات الحكمة والإحسان مشاريعهم لإنشاء أحزاب سياسية والمشاركة في الانتخابات المقبلة. ومن بين أولئك، عقيل المقطري، نتيجة للدعم الموجود في تعز، أسس رابطة النهضة والتغيير، بالرغم أن متقسمة في أنحاء البلاد، إلا أن هذه المبادرات تعتبر هامة ومن المرجح أن يظهر السلفييون كقوة سياسية جديدة. وهناك تيار آخر وهي الحركات الجهادية، التي لها انتماء بالقاعدة في جزيرة العرب بشكل أقل أو أكثر، دخلت في عمليات شتى الى حد ما يمكن وصفها على أنها سلسلة متصلة من العنف، خاصة في المحافظات الجنوبية. فهؤلاء استخدموا الأحداث الثورية لإضفاء الشرعية لهم. وقد تغير مفهوم "متشدد/ارهابي" الذي كان توصف به القاعدة في اليمن، وتركت مساحة للتفاعل والحوار مع غيرها من الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية. وقد حقق مؤيدو الحركات الجهادية السيطرة على أجزاء من الأراضي بسبب الفوضى المتزايدة للدولة المركزية وتقلص مواردها العسكرية. وبعد أن سيطروا على مديرية جعار على سبيل المثال غيروا في التركيز نحو خوض حرب عصابات ضد النظام وحلفائه، وعلى المستوى المحلي، عملت على تطوير السياسات العامة بمعالجة شكاوى السكان. وهذا التحول (الذي لا يجب فهمه على أنه نتيجة لعملية اغتيال أنور العولقي في سبتمبر 2011 ، العقل المدبر للتنشئة والتوعية في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) له نقلة نوعية في استخدام موارد وطاقة المتشددين لحل شكاوى السكان. وفي نهاية المطاف، هناك تيار اسلامي آخر، وهم الإحيائيين الزيدين (منحدرة من الخلفية الشيعية) ما تسمى ب "الحركة الحوثية" حيث تأثرت بشكل مباشر في العملية الثورية. وعلى مدار عام 2011، نتيجة لتضاؤل القدرة العسكرية للنظام اضطر النظام إلى التركيز على العاصمة صنعاء، وبالتالي التخلي عن جزء كبير من محافظة صعدة والمناطق المحيطة بها إلى المتمردين الحوثيين التي دخلت معها في حروب منذ عام 2004 . واتخذت قيادة الحوثيين خيارات متباينة – فمن ناحية باركت مبادرة محمد مفتاح لإنشاء حزب الأمة ومن ناحية ثانية سمحت لبعض من أنصارها في الوصول إلى ساحة التغيير في صنعاء لاستهداف الناشطين الغير زيديين، بينما في الوقت نفسه انخرطت في أعمال عنف مع الجماعات السنية الاسلامية ، ولا سيما السلفيين المعتدلين في دماج أو مع أعضاء في التجمع اليمني للإصلاح في محافظة الجوف. فطول الأزمة اليمنية واشتدادها عملت إلى إعادة تشكيل جذري في الفرص والتحديات على كافة التيارات الإسلامية. فهذه الحركات من المرجح أن تظل تلعب دورا هاما على المستوى الوطني، بينما تظهر على الصعيد الدولي وكأنها محاور لا يمكن الاستغناء عنه. وعلى ما يبدو أن الاتجاه الأكثر أهمية اليوم وهو التوجه نحو منعطف واحد في المدى البعيد وهو توجه مختلف الحركات الإسلامية نحو مزيدا من المؤسسية والشمولية في العملية السياسية والمشاركة في نهاية المطاف في الانتخابات المقبله. ولكن إذا فشلت العملية السياسية في الترسيخ، فإن احتمالات الفوضى والمواجهات المسلحة واردة وذلك في شكل حرب طائفية داخلية. فكلا النتيجتين تعتمد بوضوح على المتغيرات الداخلية وعلى مواقف اليمنيين. ولكن يمكن أن يكون للجهات الدولية دور فاعل في إحداث الفرق. وينبغي على الغرب الاعتراف بالشرعية الشعبية لهذه الحركات الإسلامية، ويكونوا على استعداد للدخول معها باعتبارها جزءا هاما من مستقبل اليمن.
* كتبه لوران بونفوي باحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، ومؤلف كتاب "السلفية في اليمن: الوطنية والهوية الدينية" (مطبعة جامعة كولومبيا).