قالت مجلة فورين بوليسي الامريكية الشهيرة اليوم الأحد ان الحركات الإسلامية التي انخرطت في حركة الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس اليمني صالح لم تكن هي اول من بدأ الثورة في اليمن موضحة ان حزب التجمع اليمني للإصلاح بدأ مترددا حيال دعوات الإطاحة بنظام الرئيس اليمني صالح . وقالت المجلة :" بدا الإصلاح مترددا في الانضمام إلى الثورة الشبابية في بادئ الأمر و هي تلك الثورة التي دعت إلى رحيل علي عبدالله صالح في الأيام الأولى من عام 2011 و كلاعب رئيسي في أحزاب اللقاء المشترك، كان يبدو ان الإصلاح مستعدا لتقديم بعض التنازلات و القبول بالحوار مع النظام و ان يصبح شريكا رئيسيا في الحوار و عندما بدا صالح في فقدان قبضته في نهاية الربيع، قام الإصلاح بحجز موقعه كممثل مركزي للعملية الثورية حد زعم المجلة الشهيرة. وقال التقرير الذي نشرته "فورين بوليسي" للكاتب لوران بونفو وهو مؤلف كتاب السلفية في اليمن واحد المختصين بشأن الجماعات الدينية في اليمن ان هنالك تهديد خطير يهدد اليمن في حال فشل العملية السياسية في التماسك، موضحا ان احتمال الاتجاه نحو الفوضى و المواجهة المسلحة يبقى امرا واردا و يجب عدم تجاهله بما في ذلك احتمال الحرب الطائفية.
ويضيف التقرير :"كلتا النتيجتين بالتأكيد تعتمدان على المتغيرات الداخلية و السلوك الذي سينتهجه اليمنيون لكن بإمكان اللاعبين الدوليين ان يصنعوا الفرق. و ينبغي على الغرب ان يعترف بالشرعية الشعبية لتلك الحركات الإسلامية و ان يعترف أيضا بالتنوع الداخلي و ان يكون مستعدا للتعامل معهم كجزء هام من مستقبل اليمن.
نص التقرير لم تكن الحركات الإسلامية هي أول من بدا الثورة في اليمن، لكنها هيمنت على مصيرها بشكل كبير. توكل كرمان و هي عضو سابق في حزب الإصلاح, ذلك الائتلاف الذي يضم الإخوان المسلمين في اليمن، كانت قد فازت في 2011 بجائزة نوبل للسلام عن حملاتها السياسية التي لم تعرف الكلل. مؤيدو الرئيس المنتهية و لايته علي عبدالله صالح حذروا من النشاط المتزايد لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حتى بعد مقتل منظر التنظيم أنور العولقي بطائرة أمريكية بدون طيار.
لكن كما هو الحال في معظم دول العالم العربي، مثلت الثورة اليمنية فرصة و تحدي للإسلاميين و هناك ما لا يقل عن خمسة تيارات فكرية إسلامية لعبت دورا هاما في الأحداث الجارية و كانت بعضها أكثر حظا من الأخرى. و يجب على تلك التيارات الإسلامية التي تناضل من اجل مساعدة اليمن أثناء عملية الانتقال السياسي، عليها ان تتقبل مسالة التنوع و الاختلاف الداخلي بين تلك التوجهات الإسلامية، و ان تكون على استعداد للانخراط معهم و التعامل معهم كجزء من المشهد السياسي في البلاد. و يعد حزب الإصلاح بدون شك أكثر التيارات الإسلامية انخراطا في الثورة الشعبية. و بالإمكان اعتبار حزب الإصلاح في اليمن و كأنه فرع للإخوان المسلمين، و قد بدا الإصلاح مترددا في الانضمام إلى الثورة الشبابية في بادئ الأمر و هي تلك الثورة التي دعت إلى رحيل علي عبدالله صالح في الأيام الأولى من عام 2011 و كلاعب رئيسي في أحزاب اللقاء المشترك، كان يبدو ان الإصلاح مستعدا لتقديم بعض التنازلات و القبول بالحوار مع النظام و ان يصبح شريكا رئيسيا في الحوار
و عندما بدا صالح في فقدان قبضته في نهاية الربيع، قام الإصلاح بحجز موقعه كممثل مركزي للعملية الثورية ان قدرته على التعبئة و الحشد في المساجد التابعة له و الجمعيات غير الحكومية و النشطاء، عملت في الأخير على إعادة هيكلة الثورة ماديا كما هو الحال في ساحة التغيير في صنعاء و أيضا على مستوى البرنامج الخاص به لم يكن هناك أي كيان أو حركة سياسية تستطيع ان تنافس حزب الإصلاح و قد جعل ذلك من الإصلاح سمسار رئيسي في اللعبة السياسية في الأحداث الدائرة خلال الفترة الانتقالية، و أيضا كما يشكو الشباب الثائر ان الإصلاح قام باختطاف الثورة
و نتيجة لحساسية قيادة الإصلاح لتلك الانتقادات، بدأ و كان قيادة الحزب تعتزم السماح للاعبين آخرين ان يتصدروا الصفوف الأمامية و لم يطالب الإصلاح بمنصب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت في نوفمبر 2011, لكن ليس هناك أدنى شك في قدرة الإصلاح على حشد الناخبين و بأعداد كبيرة عندما يحين موعد الانتخابات العامة. و يحاول الإصلاح و مناصريه من القبليين ان يتحدوا المقولة الشائعة و مفادها انه لا يوجد بديل للرئيس صالح أو أنهم لا يستطيعون تحمل المسئولية.
و من التيارات الأقل وضوحا هو التيار السلفي - الطمانيني – و يقودهم يحيى الحجوري مدير معهد دار الحديث بدماج، و قد أعادوا التأكيد على موقفهم الموالي للنظام من اجل محاربة ما وصفوه بحالة الفوضى و قد سعى هذا الفرع من السلفية و بشدة من خلال خطابهم الديني إلى نزع الشرعية عن الثورة الشعبية و اتهامهم لشباب الثورة و الإخوان المسلمين بتشجيع عملية سياسية لا تخدم إلا أعداء الإسلام بحسب رأيهم.
ان الظهور بشكل أخر مؤيدي النظام، قد يكلف أصحابه ثمنا باهظا على المدى البعيد، لكنه قد يكون اقصر الطرق لإبراز السلفيين القادمين على أنهم الحماة الشعبيين للاستقرار في حالة تدهور الوضع بشكل خطير و حقيقة فانه لا توجد هناك إحصائيات دقيقة، لكن يبدو ان السلفيين قد خسروا الكثير خلال العام المنصرم
لكن السلفيين أيضا يعملون على التغيير في مواجهة الثورة الشعبية. و قد بدا احد فروع السلفية الطمانينية و بشكل متزايد بالانخراط في العملية السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية متجاهلا بذلك إشكاليات الولاء للحاكم و انتقادات الحزبية هؤلاء السلفيين المتسيسين يرون في الثورة اليمنية فرصة جديدة في المشاركة العلنية في الساحة السياسية. متأثرين بالنجاح الذي حققه حزب النور في مصر، قام أعضاء مؤيدين للثورة من جمعيات الحكمة و الإحسان، قاموا بالإعلان عن مشاريع لتأسيس أحزاب سياسية و المشاركة في الانتخابات القادمة و من بينهم عقيل المقطري الذي يحظى بتأييد مهم في تعز، حيث قام بتأسيس رابطة النهضة و التغيير. و بالرغم من بقائهم مفرقين خدمة لتيارات إقليمية، فان هذا الحراك السياسي هام جدا و من المتوقع ان يبزر السلفيين كقوة سياسية جديدة، و سيكون على المحللين في المستقبل القريب ان يتجاوز إدراكهم الحكم المسبق بتجريم السلفية.
و هناك تيار أخر و هو تيار الحركات الجهادية و يرتبط بطريقة أو بأخرى بتنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية و قد انخرط هذا التيار في مجموعة من النشاطات المختلفة جعلت منه تيار طبيعي إلى حد بعيد و قد وظفوا الأحداث الثورية لشرعنة مشروعهم التاريخي. و أحدثت هذه العملية تغييرا في معنى مصطلح مسلحي القاعدة في اليمن و تركت المجال مفتوحا لكل التفاعلات و الحوارات المحتملة مع اللاعبين السياسيين و الاجتماعيين
المتعاطفين مع الجهاديين حققوا نوعا من السيطرة على بعض المناطق و يعود السبب في ذلك من ناحية إلى ازدياد الفوضى التي تواجها الدولة المركزية بالإضافة إلى تقليص القدرات العسكرية. ان السيطرة الفاعلة على منطقة ما، مثل جعار، حول الاهتمام نحو شن حرب عصابات ضد النظام و حلفائه على المستوى المحلي و تطوير سياسات عامة تعنى بهموم السكان. و قد عمل هذا التحول الذي يجب ان لا يفهم على انه جاء نتيجة لحادثة اغتيال العولقي في سبتمبر 2011، و الذي يعتقد انه العقل المدبر للعملية الانتقالية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، عمل على تحويل طاقات المسلحين و مواردهم نحو الأجندة اليمنية. وعملية التحول هذه و التي ليست بالضرورة مركزية أو ذاتية الوعي، من المتوقع ان تكتسب زخما و شهرة، حيث ان استراتيجيات المواجهات و القمع و الهجمات بطائرات بدون طيار لن تستطيع ان تعالج تعقيدات الأزمات التي تعصف باليمن الثورية
و في الطرف الأخر من الطيف الإسلامي، يأتي المجددون الحوثيون، أصحاب الخلفية الدينية الشيعية و المعروفين ب الحركة الحوثية. و قد تأثروا بشكل مباشر بالعملية الثورية و خلال العام 2011 أدى التقليص في الإنفاق العسكري إلى إجبار النظام على التركيز على العاصمة صنعاء و الاضطرار إلى التخلي عن معظم محافظة صعدة و ضواحيها لمصلحة المتمردين الحوثيين الذين خاضت معهم قتالا منذ عام 2004. قيادة الحوثيين اتخذت مواقف متباينة زاعمين أنهم قبلوا ان يكونوا جزء من اللعبة المؤسساتية و التي شملت على سبيل المثال مساندة مبادرة محمد مفتاح لتأسيس حزب الأمة، أو دفع بعض المتعاطفين مع الحركة للمشاركة في ساحة التغيير في صنعاء من خلال ناشطين لا ينتمون إلى الحركة الزيدية و في الوقت ذاته الاستمرار في الارتباط بالعنف مع المجموعات الإسلامية السنية المتنافسة و خاصة السلفيين في دماج و أعضاء من حزب الإصلاح في الجوف
و لهذا فان الأزمة اليمنية الطويلة و الحادة ستعيد و بشكل جذري تشكيل الفرص و التحديات لكل التيارات الإسلامية و على الأرجح فان كل تلك الحركات ستستمر في لعب دور مركزي على المستوى الوطني كما أنها ستبرز كمحاور على المستوى الدولي عندما تقتضي الضرورة ذلك ان التوجه الأكثر أهمية اليوم يبدو انه يتمثل على المدى البعيد في جنوح الحركات الإسلامية المختلفة نحو العمل المؤسساتي و الانخراط في العملية السياسية و انتهاء بالمشاركة في الانتخابات القادمة لكن في حال فشل العملية السياسية في التماسك، فان احتمال الاتجاه نحو الفوضى و المواجهة المسلحة يبقى امرا واردا و يجب عدم تجاهله بما في ذلك احتمال الحرب الطائفية.
كلتا النتيجتين بالتأكيد تعتمدان على المتغيرات الداخلية و السلوك الذي سينتهجه اليمنيون لكن بإمكان اللاعبين الدوليين ان يصنعوا الفرق. و ينبغي على الغرب ان يعترف بالشرعية الشعبية لتلك الحركات الإسلامية و ان يعترف أيضا بالتنوع الداخلي و ان يكون مستعدا للتعامل معهم كجزء هام من مستقبل اليمن