بانحيازهم إلى علمانية الدولة، ومدنية المجتمع في مؤتمر الحوار، كشف الحوثيون عن إدراك عميق لمشكلات الحاضر، وتصورٍ راقٍ لحلول المستقبل. لكن مالم تتم ترجمة هذا الوعي النظري الرفيع، في الواقع العملي للممارسة اليومية، يظل نوعاً من المزايدة اللئيمة أو الفصام المرَضي. وهذا ما يحدث حين يُقدم بعض أنصار الله، مثلاً، على مداهمة منازل أو تفتيش أجهزة شخصية دون أمر من النيابة، أو حتى شبهة أمنية!! وعلى افتراض أن في المنزل زجاجات خمر، وفي التلفون مقاطع إباحية، فإن كشفهم عن هذه الأشياء يكشفهم هم، أولاً، أمام القانون والقيم المدنية وأمام الرأي العام، متلبسين بفضائح قانونية وأخلاقية مدويَّة تضاف إلى سجلِّهم السياسي.. من يحمل قضية عامة ومشروعاً كبيراً لا يليق به أن يدسَّ أنفه في الشئون الفردية، أو ينهمك في الخزعبلات!! الخزعبلات، بالذات، تبرهن بشكل صارخ على أنهم بلا قضية ولا مشروع، وغارقون تماماً في قضايا الجنس والخمر، ومراقبة الناس. القضية رأس مال، من يملك قضية عادلة ومشروعاً حقيقياً له علاقة بالحياة والواقع سينتصر، ولو بعد حين، وعلى العكس يذهب المفلسون والعدميون وأصحاب القضايا الوهمية والتفكير الضيِّق والمشاريع الصغيرة، جفاءً، ويبقى ما ينفع الناس. الحريات الشخصية والخصوصيات الفردية هي قدس الأقداس في أيِّ مجتمع مدني، وحمايتها واحترامها أولى وصايا التشريع، وأبرز مهام الدولة الحديثة. نعم، كانت هذه الحقوق والحريات تُنتهك كثيراً من قبل، لكن ذلك كان مرفوضاً، وكلُّ ما كان مرفوضاً في زمن الإخوان وآل الأحمر والزنداني سيظل مرفوضاً في زمن الحوثيين، أو أيِّ مركز قوى آخر يتنامى على حساب الدولة وقيم المجتمع المدني.