أتذكر وأنا في الصف الخامس الابتدائي أنني عشقت مربية الفصل. كانت تستلطفني كتلميذ شقي، وكنت واخذ الموضوع جد، وهات يا حُب ومحبابة، وفي المساء العيال يذاكروا وأنا أكتب لها شعر. في أحد الامتنحانات الشهرية كانت أوراق زملائي مليئة بالإجابات، وورقة امتحاني أنا مليئة بقلوب تخترقها أسهم، وعبارة أحبك والدموع تشهد تتقدم صفحة إجاباتبي، وعامل نفسي "عبده المهاوز". لم أكن وسيماً ولا صاحب مال ولا صاحب جاه، وحقيبتي المدرسية في داخلها سندويتش فول كانت رائحته تغطي على رائحة عطرها الخفيف. وإذا ما وقفت قدامها لخمس دقائق تذهب المسكينة إلى غرفة المدرسين وقد شمها فول مدمس.. في الامتحان الشهري إياه كان الطلبة يسألونها عن توضيح بعض الأسئلة الصعبة، وأنا ورقة الإجابة ممددة جنبي وأسألها: -اصطبحتي يا أستاذة والا أدي لك سندويتش فول؟ ابتسمت لي بلطف شديد، ولما شافت تلك الشخاطيط والقلوب على ورقة الامتحان الخاصة بي، مسحت على رأسي بحنان وقالت لي أمام التلاميذ بدفء: -ما هو هذا يا فكري؟ لازم تجتهد أكثر وتتقدم (قصدها أتقدم في دروسي طبعاً).. وبحماس الرجل الشرقي "المقعَّي" رحت أحلف لها أيماناً مغلظة أنها كلها سنتين بس وأتقدم. وبنبرة عتب ورجاء أردفت تقول: لااااا يا حبيبي أني فدا لك.. سنتين كثير! لحظتها "تبلطحت" مشاعري بصراحة، وبدأ قلبي الصغير يتسارع بالنبضات. ليلتها- طبعاً- لم أنم من التفكير، وقضيت الليل كله أفكر كيف أقطُب السنتين وأتقدم. ورحت في المقابل أيضاً أجلد نفسي كيف أنني لم أتمكن من إقناعها بأن سنتين يا دوب تكفي الواحد على بال ما يرتب حاله ويشتري الدبلة والشبكة وبقية لوازم الفرح. كان اسمها "وهيبة"، وكنت أحب الحياة المفتوحة في عينيها الواسعتين.