كثير من اليمنيين صاروا في دول الخليج شريانا تجاريا ينبض بالحياة. وفي إندونيسيا تقلد يمنيون مواقع مهمة. وفي هذا البلد أو ذاك ثمة يمنيون ينجحون، وربما لو كانوا هُنا لما تمكنوا من ذلك، فهذه البلاد تسرق العمر والطاقات. في اليمن وغيرها من البلدان البائسة، الضوء – دائما - يأتي من الخارج. على أن البناء من الخارج أكثر نفعاً في بعض الأحيان. على الأقل وأنت في الخارج ستحركك دوافع الشوق والحنين والحاجة للانتماء. شعراء المهجر جاءوا للشعر العربي بالمدرسة الرومانتيكية وصنعوا أفكار التحرر من البحر والقافية.. ومن الأنظمة المستبدة أيضاً. ومواطنو المهجر جاءوا لأوطانهم بالدولار وبسجائر مارلبورو كمان، ويخيل لي دائما أن الأمريكان دخلوا أفواهنا قبل أراضينا. وربما لهذا السبب نفسه تبدو أنظمتنا العربية مغرمة جداً بسياسة تكميم الأفواه ؟! أتخيل الروائية البارعة "أحلام مستغانمي" لو أنها لم تغادر الجزائر إلى فرنسا.. هل كانت ستبدع ثلاثيتها الفاتنة "فوضى الحواس" و"ذاكرة الجسد، وأخيراً ب"عابر سرير" ؟ مستغانمي قدمت الجزائر أفضل من أجدعها وزراء خارجية استهلكوا ثلث ميزانية البلد لتحسين وجه الجزائر في الخارج !! وباستثناء نجيب محفوظ.. ماذا لو أن العالم المصري أحمد زويل ظل حبيس شوارع القاهرة ولم يغادر إلى أوروبا وأمريكا لكي يبني أسرة في الداخل.. هل كان سيحصل على جائزة نوبل ؟ وفي كل الأحوال الغربة ليست مهمة دائمة للبحث عن لقمة العيش، لا أحد يموت من الجوع والله هو الرزاق، لكن الغربة قد تكون أحيانا بحثا عن نافذة للضوء خصوصا في بلد مظلم كاليمن.