بعد الترحيب الكبير ببوادر المصالحة بين مصر وقطر، بوساطة السعودية، لطي الخلاف الذي اندلع بين الاثنين، على أثر الهجوم القطري على مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وضلوع قناة الجزيرة فى دعم الجماعة، وتصوير الثورة المصرية بشكل مغلوط، يطرح على الساحة الآن سؤال مهم، وهو هل تغير تركيا، التي سارت على نهج قطر وتفانت في الهجوم على مصر، موقفها؟ ويبدو أن هذا ليس بالأمر البعيد، فقد أظهرت تركيا بالفعل لينا وقرب تحول فى اتجاهها نحو مصر، خاصة بعد تصريحات نائب رئيس الوزراء التركى بولند أرينج، فى حواره مع قناة "الجزيرة" التركية، الذى قال خلاله: "إنه يجب إزالة التوتر القائم بين بلاده ومصر، وقد تكون مصر هى التي يجب أن تقدم على خطوة أولا، لكن علينا تحقيق ذلك". وكانت العلاقات المصرية - القطرية شهدت تدهورا كبيرا، بعد ثورة 30 يونيو، والتى أطاحت بالإخوان من السلطة بناء على رغبة الشعب المصرى، لفشلهم فى إدارة البلاد، وقامت تركيا على أثر ذلك بشن هجوم على الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، ودعمت الإخوان كثيرا سواء بالأموال، أو بإيواء قياداتهم عندها، ولم تترك مناسبة إلا وهاجمت فيها إدارة البلاد، فى إهانة واضحة لإرادة الشعب. واحتدم النزاع بين البلدين إلى الدرجة التى قامت مصر على أثرها بطرد السفير التركى من مصر، وقررت عودة السفير المصري لدى أنقرة إلى ديوان عام الوزارة، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى درجة قائم بالأعمال فى نوفمبر العام الماضى بعد التصريحات المستفزة التى أدلى بها أردوغان دفاعا عن الرئيس المعزول محمد مرسى، وإهانته السلطة المصرية. فجاء طرد السفير التركى كرد على التصريحات، بعد أن أصدرت الخارجية المصرية بيانا قالت فيه إن مصر منحت القيادة التركية الفرصة تلو الفرصة، تغليبا للمصالح العليا للبلدين، ولكنها مضت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة، وحاولت تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية، ودعمت اجتماعات تنظيمية تسعى إلى إيجاد حالة من عدم الاستقرار في مصر، في إشارة واضحة لاستضافة تركيا اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان أكثر من مرة. جدير بالذكر أن موقف الإدارة التركية لم يلق قبولا بين العديد من السياسيين الأتراك، بل تلقاه العديد من المفكرين بالرفض والانتقاد، ووصل إلى الهجوم على سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وتحميل الحكومة التركية مسئولية إفلاس سياساتها الخارجية، خاصة مع مصر. وأضاف أرينج أن رد فعل بلاده من السلطة الحالية فى مصر قد يكون مختلفًا من الناحية الديمقراطية، مؤكدا أن مصر شهدت مرحلة انتقالية عقب ذلك، وأن بلاده تعتبرها "غير صحية". وأما تصريحات أرينج الأخيرة، والتى ألمح خلالها إلى الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسى رئيسا لمصر، فتشير بداية لتغير كبير فى انجاهات تركيا الحالية، كما أكد أرينج خلال تصريحاته على ضرورة عودة العلاقات مع مصر على أرضية سليمة بشكل عاجل. وعلى الجانب الآخر، لابد من النظر إلى الخطوات التى يجب اتخاذها من الجانب التركى للبرهنة على حسن النية، وإثبات تغير اتجاهها من خلال المواقف والأفعال لا الأقوال. فنرى على سبيل الدعم المادى والمعنوى الذى تقدمه تركيا لبعض القنوات المؤيدة للإخوان، والتى لا تدخر وسعا فى مهاجمة مصر وأهمها قناة "الشروق"، والتى تتخذ من تركيا مقرا لها، خاصة بعد أن حرص مذيعوها المؤيدون للإخوان، ومنهم الإعلامي معتز مطر، على استضافة عدد من الضيوف المؤيد للجماعة الإرهابية والرافض للنظام الحالى. ورغم إعلان القناة أنها قناة محايدة ترفع شعار الاستقلالية، إلا أن بثها من دولة تتدخل في الشئون الداخلية لمصر، بجانب حرصها على استضافة المهاجمين للنظام الحالى، يجعلها أقرب إلى أخذ مكان الجزيرة بعد إغلاقها. مما يطرح السؤال.. هل تسير تركيا على نهج قطر، وتعلن إغلاق القناة على غرار الجزيرة مباشر؟ وماذا تقدم تركيا للبرهنة على تغير موقفها فعليا تجاه مصر؟