في الآخرة لا وجود لآخرين، أقصد عندما يكون مصيرك على المحكّ ساعة الحساب فلن تجد غير نفسك، حتى الله لن يواجهك بغير سيرتك الذاتية، تاركاً لك حقك في الجدل وإنكار بعض الوقائع. مع الله ستشعر بالرجاء، وما سيجعل الرعب يهزُّ كلَّ مفاصلك بالفعل هو اكتشافك حقيقة نفسك هناك، وقد تصرخ بهلع: يا لهذا الوحش المرعب الذي كان أنا!! وفيما لو كنت متديناً سياسياً هنا، فستكتشف متأخراً، هناك، حقيقة مغايرة للدين، على الأقل في كونه "وُجد في الأصل من أجل السيطرة على النفس، لا السيطرة على الآخرين". هذا ما يجهله أو يتجاهله أغلب المتدينين في أغلب الحالات، وبنوايا سيئة أو حسنة في الغالب، خاصة حركات الدين السياسي في كل الملل والنِّحَل، وبالذات الحركات الجهادية التي تريد إصلاح العالم بطرق وأدوات منخورة بالفساد والإكراه. لا أستلطف الوعظ والإرشاد، لكن ما أستشعره بحسن نية أن إصلاح النفس هو غاية الدين، ووسيلة إصلاح الآخرين، والخطوة الشرطية لبناء مجتمع فاضل تسود فيه قيم الخير والحق والجمال. أما القول: إن الحديث "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" حديث ضعيف أو منكر، فيرده كون وضع الإنسان المسلم هو الضعيف والمنكر، وبسبب أن العالم الإسلامي ظل في أغلب مراحل تاريخه عالقاً في الجهاد الأصغر، ومنهمكاً بتطهير الأرض من الكفرة والأشرار، لا تطهير أنفسهم وعالمهم من ظواهر الجهل والفقر والمرض ونزوات العنف والكراهية والإرهاب.