أضاء برق (دبي) قمم جبال (اليمن)، إذ أُعلن من هناك عن سيدة من (اليمن) تتربَّع على عام اصطرع فيه الرجال، واختلطت فيه الأوراق، عام مميز بعدم وضوح الرؤية، تتشابه ألوان الألم فيه رغم تنوع الغصَّات والفواجع والمفاجآت. لماذا اختيرت السيدة فائقة السيد، الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام، لتُمنح لقب (سيدة العالم العربي للعام 2014)؟ سؤال استكشافي لندرك مدى أهمية اليمن من خلال تلك السيدة اليمنية؟ ومدى انعكاس تلك الأهمية على صورة اليمن في الخليج والوطن العربي. تناقلت وكالات الأنباء المختلفة والقنوات الفضائية، السبت الموافق 24 يناير 2015م، خبر تكريم فائقة السيد باختيارها سيدة العالم العربي للعام 2014م من قبل مؤتمر بناء الهوية الاقتصادية في العالم العربي، الذي أقيم الأسبوع الماضي، بمدينة دبي، برعاية الشيخة فاطمة بنت زايد آل نهيان- قرينة صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، حاكم عجمان- نظير إنجازاتها في العمل الحكومي والحزبي في اليمن، ويعدُّ المؤتمر مؤسسة عالمية ذات بُعد إقليمي عربي تُعنى بالمرأة التي تتميز بقدرة في قيادة شؤون مجتمعها أو قوميتها في مجالات مختلفة. يأتي هذا التكريم و(اليمن) في أمسِّ الحاجة إليه بعد موجة الرد الثقافية المتزامنة مع المد الأصولي في منطقنا العربية، فيما رصد كثير من المهتمين المتغيرات التي تعصف بالأقطار العربية انكفاءً في دور المرأة وكموناً متأهباً للمشاركة في إعادة تشكيل واقع الحياة السياسية، ولاسيما أثناء الانتخابات، كما حدث في (مصر) و(تونس). إن جغرافية الجزيرة العربية تنعكس على ثقافتها، ويتحدث التاريخ عن أخطر هجوم تعرضت له (الكعبة) الشريفة، بدءاً من السواحل الجنوبية لليمن، وانطلاقاً من (صنعاء) نحو (مكة).. ويحدثنا التاريخ المعاصر أيضاً كيف بدأت تجربة الاتحاد الفيدرالي في جنوب (اليمن) قبل أن تنتقل وتنجح في (إمارات الخليج العربي)، وانطلاقاً من هذا الترابط العضوي والروحي بين (اليمن) من جهة، والجزيرة والخليج من جهة أخرى، يأتي الاهتمام الخليجي والعالمي باليمن اليوم عبر المؤسسات المختلفة. وتحتل المرأة حيزاً لافتاً للنظر في أدبيات التغيير المتوقع في المنطقة العربية لما يحمله الواقع والتاريخ من نماذج ناصعة أكدت من خلالها المرأة العربية على وطنية أذهلت العالم، أمثال الثائرة الجزائرية جميلة بوحيرد في المغرب العربي، وأخريات كُثر في (مصر) و(فلسطين) وربوع الشام إجمالاً. إن مؤتمر بناء الهوية الاقتصادية في العالم العربي هو واحد من أهم نوافذ العالم المنفتح على المرأة العربية، لما تحظى به (دبي)، درة الجزيرة العربية، من دور طليعي في صياغة لغة مشتركة بين العرب والعالم.. وذهاب اللقب إلى (اليمن) جاء بناءً على معطيات ومتابعات ورصد دقيق لمجريات الأحداث في اليمن، ودور السيدة فائقة السيد الوطني والشجاع المبادر والريادي في كبح تداعيات انهيار الدولة في (اليمن) التي وصفتها بأنها لا تملك غير (العلم والنشيد الوطني) وهي في موقع قيادي ممثلة للمرأة في رئاسة الجمهورية.. لم يمنعها مركزها السياسي، بل منحها قوة ونفاذ بصيرة لقراءة الواقع، وهي التي لم تستطع السحب العابرة أن تحجب عنها المسافات بين الأزمات الوطنية وأقصر الطرق للوصول إلى الانفراج. سيدة العالم العربي، فائقة السيد، كانت قد أطلقت عليها في مقال قبل سنوات لقب (امرأة وطنها الناس) لسجاياها الإنسانية التي تدفعها للوقوف مع الخصوم وهم في شدتهم في السجون أو تحت وطأة المرض أو حين تداهمهم فاجعة ما، ولكنها لا تهادن ظالماً أو الأغبياء في العمل الوطني.. يسارية الثقافة تؤمن ب(البرجماتية) كمذهب سياسي غير متطرف، عشقت الثورة الفلسطينية وحملت السلاح إبان العدوان الصهيوني دفاعاً عن المخيمات في (لبنان)، رفيقها في (بيروت) أشهر سجين جنوبي اليوم في صنعاء (أحمد عباد المرقشي)، استوطنت الناس وجعلت منهم وطناً لها، أحبتهم بلا اعتبار للمكان الذي عاشوا فيه والطبقة والانتماء السياسي الذي ينتمون إليه. المرة الأولى التي رأيتها تجهش بالبكاء صباحية الاحتفال بالثورة الفلسطينية في (غزة) وصورة الشهيد الزعيم الراحل (ياسر عرفات) تعتلي زوايا الاحتفال، واسم (أبو عمار) يجلجل بصوت مقدم الحفل، أجهشت بالبكاء أمام شاشة التلفاز، ثم أخذت تحكي مناقب (عرفات) وأخلاقه العالية حينما قرر زيارة الرئيس علي ناصر محمد عندما كان مقيماً في (صنعاء) بعد نزوحه من (عدن) عقب أحداث 1986م، رافضاً فكرة أن يزوره الرئيس ناصر.. والمرة الثانية عندما أخذت تشرح مرارة البعد عن (عدن) لمؤتمر الحوار الوطني وهي على المنصة.. تتفاعل مع قضية بائع متجول وجندي وعامل (أسنسير)، كما تتفاعل مع الزعماء والرؤساء ومع أسرهم بأريحية تتخطى كل الحواجز الأخرى. إن إعلان اختيار السيدة فائقة السيد، سيدة العالم العربي للعام 2014م، ونحن في الشهر الأول من العام 2015م، هو دعوة لاستثمار هذا الاختيار على مستوى الداخل والخارج، وأيضاً دعوة للمنظمات الأممية للاستفادة من تاريخها وعلاقاتها الواسعة بمراكز القرار والمجتمع لتعيينها (سفيرة للنوايا الحسنة)، خاصة في ظل الأحداث التي تمر بها (اليمن)، كونها رمزاً قيادياً لن يتكرر جاوز الدور المحلي والإقليمي إلى القومي وربما العالمي.