الخطوة الخاطئة الأولى كانت صبيحة (21 سبتمبر/ 2014م)، تصورنا يومها هكذا بلا حيثيات وجيهة، أن اندفاع "أنصار الله"، سيتوقف في حدود الضاحية الشمالية، إيذاناً بانتهاء حساباتهم مع خصومهم الذين تشكل فرقة "علي محسن الأحمر" قلعتهم الأخيرة! لكنهم سيطروا على كل صنعاء، وقبل أن يبرد الحديد تم الطرق عليه باتفاقية السلم والشراكة، لتمنح وجودهم شرعية داخلية ودولية، ولو باعتبارهم مشكلة!. استيلاء "أنصار الله" على آخر معاقل الدولة ومهاجع الرئيس هادي نفسه، في 20 يناير الحالي، كانت هي الخطوة الخاطئة الثانية، هذه المرة فوَّتت استقالة الرئيس هادي على الحوثيين فرصة البحث عن صيغة مقبولة لشرعنة مستجداتهم التوسعية. وماذا الآن؟! فراغ سياسي غير مسبوق، لا رئيس.. لا حكومة.. لا دولة.. واحتمالات قلقة مفتوحة على مخاوف وحماقات، هناك من يدعو مجدداً لثورة جديدة، وهناك من يدعو للانفصال، الإخوان، حسب سجيتهم، دعوا إلى فصل الجغرافيا الشافعية وخنق الزيود في جغرافيتهم!! لكن، بعيداً عن الضحالة والهلع، هناك دائماً فرصة أخيرة، وحل معقول، دستوري أو توافقي أو ثوري.. وفي كل حال لا يمكن لأيِّ حلٍّ أن ينجح ما لم يكن "أنصار الله" عنصراً فاعلاً بشكل إيجابي في إنجاحه. أمَّا بعد، فإن تراجعهم خطوة إلى الخلف بسحب مليشياتهم، أو تقدمهم خطوة إلى الأمام بدمج مليشياتهم في الجيش، ستكون هي أكبر مساهمة يمكن أن يقدمها "أنصار الله" في حل معضلات الحياة السياسية، بما من شأنه تدشين مرحلة سياسية مختلفة، وتوفير مناخ ملائم لتنفيذ اتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار الوطني. الكرة في ملعبهم الآن، لم تعد الحلول الجزئية أو المؤقتة مقبولة. لا بد من حل استراتيجي، ولا حل استراتيجي دون تفكير "أنصار الله" جديّاً بوضع مستقبلي مستقر ومتين لأنفسهم وللدولة والحياة السياسية بمجملها. القوة وحدها لم تعد صيغة لائقة للشرعية، ولا بد لأيِّ مكون سياسي معاصر، من صيغة سياسية شرعية، قائمة على الشراكة والتنوع والسلام، وقد تكون صيغة حزب الله اللبناني مثالاً قريباً من الصيغة المرحلية التي ربما يرغب "أنصار الله" باستئناسها.