الوضع القائم في اليمن بما يميّزه من تراجع للدولة وتصاعد للتوتر الطائفي بفعل الصراع الذي فجّرته جماعة الحوثي الشيعية يمثل بيئة مثالية لانتعاش تنظيم القاعدة الذي واجه طيلة العشرية الماضية حربا ضروسا لا تبدي القوى المنخرطة فيها بوادر التراجع عنها. أُعلن مجدّدا في اليمن عن سقوط قتيلين من عناصر تنظيم القاعدة بغارة نفذتها طائرة أميركية دون طيار على سيارة كانت تقلّهما في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة شرق اليمن. ويأتي تواصل مثل تلك الغارات في ظلّ الحملة التي يشنها تحالف عاصفة الحزم ضد المتمرّدين الحوثيين في اليمن بقيادة سعودية ومساندة أميركية، ليبيّن عدم إهمال القوى المنخرطة في تلك الحملة لخطر تنظيم القاعدة الذي بدا بشكل واضح أنه يحاول الاستثمار في ارتخاء قبضة الدولة واتجاه الصراع في البلاد وجهة طائفية، ليثبّت أقدامه على رقعة بالغة الأهمية الاستراتيجية. ولم تستهدف غارات التحالف الذي تقوده السعودية حتى الآن تنظيم القاعدة في اليمن، إلاّ أنّه سيتعين على المملكة في النهاية أن تقوم بذلك من أجل إرساء استقرار مستدام لدى جارها الجنوبي. وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية إيلي الهندي إن “الطبيعة الطائفية المتزايدة للنزاع في اليمن تعطي المتطرفين من الجانبين هامشا أكبر للتحرك”. وأضاف “أن ذلك يؤدي لأن يبدو وكان محاربة القاعدة ليست الأولوية الملحة”. ولم تتحرك السعودية عسكريا عندما سيطر مسلحون من تنظيم القاعدة في الثاني من أبريل الجاري، على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت في جنوب شرق البلاد وهي أكبر محافظة يمنية، غير أن متابعين للشأن اليمني أكّدوا أنّ ذلك مجرّد إجراء تكتيكي ظرفي وليد تقييم دقيق لخطر القاعدة هناك مستند إلى عمل استخباراتي على الأرض. وقال هؤلاء إنّ السعودية لم توقف أصلا جهودها في التصدي لتنظيم القاعدة في اليمن وأن ما تقوم به الولاياتالمتحدة يتم حتما بالتنسيق مع السعودية التي قد لا تكون راغبة الآن في الظهور بشكل علني في الصراع ضد التنظيم على أرض اليمن. وجاء التقدم الذي حققته القاعدة على الأرض بعد أسبوع من بداية عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة المرتبطين بإيران. وحاولت دوائر إعلامية مرتبطة بطهران وعلى علاقة بحزب الله اللبناني الإيحاء بوجود التقاء “مصالح بين السعودية وتنظيم القاعدة” في اليمن الذي يشهر عداءه للحوثيين، لكن ذلك لم يبد أمرا منطقيا على اعتبار السعودية قضت ما يتجاوز العقد من الزمن في حرب على التنظيم الذي استهدفها أكثر من مرّة بما في ذلك محاولته اغتيال وزير داخليتها الأمير محمد بن نايف. ويقول إيلي الهندي إنّ “السعودية في حرب مع القاعدة منذ أكثر من عقد من الزمن وأي تحالف بما في ذلك تحالف أمر واقع هو أمر مستحيل”. ويشير إلى أن الهدف الرئيسي لما يعرف بتنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” الذي يتحصن في اليمن لطالما كان السعودية. وذكر خبراء أن القاعدة استفادت من عدم استهداف التحالف العربي لمحافظة حضرموت لتوسّع انتشارها هناك إلى أن استولت على مطار المكلا في 16 أبريل الجاري، ثم على قاعدة عسكرية في نفس المنطقة. وقال ماتيو غيدير أستاذ العلوم الإسلامية بالجامعة الفرنسية “بينما كان التحالف يتعامل مع الحوثيين استفادت القاعدة من الوضع للسيطرة على عدة مواقع”. وتوقع المحلّل أن يتم “استهداف القاعدة في مرحلة مقبلة بعد إجبار الحوثيين على التراجع، وذلك لأن التنظيم يشكل بدوره تهديدا للسلطة الشرعية في اليمن”. وقد يؤدي فتح جبهة جديدة في النزاع في اليمن إلى تعقيد الأمور أكثر فأكثر، وهذا ما يدفع بالأميركيين الذين ينسقون مع التحالف العربي في الحرب على الحوثيين، إلى الاستمرار باستهداف تنظيم القاعدة بواسطة طائرات من دون طيار. وكان تنظيم القاعدة أعلن في 14 أبريل، مقتل القيادي إبراهيم الربيش في غارة لطائرة أميركية من دون طيار غرب المكلا. كما قتل ثلاثة من عناصر التنظيم المتطرف ليل السبت-الأحد في محافظة شبوةالجنوبية. ومنذ العام الماضي، واجهت السلطة المركزية في اليمن تحديات ضخمة من الحوثيين في الشمال، ومن القاعدة التي معقلها في جنوب وشرق البلاد والتي تعتبرها واشنطن الفرع الأخطر للقاعدة في العالم. وأمام تقدم الحوثيين المتحالفين مع قوات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح باتجاه الجنوب، انهارت السلطة المركزية ولجأ الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح إلى السعودية. ومن جانبه، اعتبر المحلل جان بيير فيليو الذي يدرس في معهد باريس للشؤون الدولية أنّ “التعبئة ضد الحوثيين الشيعة بشكل أساسي وليس ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح يصب في مصلحة المتشددين المنقسمين بين القاعدة وتنظيم داعش”. كما يتعين على السعودية أن تأخذ بعين الاعتبار دور القبائل المحلية. وسيطر مسلحون قبليون على منشأة بلحاف الاستراتيجية للغاز في شبوة، ثم سيطر مسلحون قبليون آخرون بعد أيام على حقول المسيلة النفطية في حضرموت، وذلك بهدف حماية الحقول من القاعدة بحسبما أفاد لوكالة فرانس برس أحد القياديين القبليين. وبحسب فيليو فإن السيطرة على الموقعين هي “تجسيد جديد لضعف الدولة وللرغبة لدى بعض الجهات في استعادة الموارد التي استولى عليها نظام صالح”. وذكرت مصادر عسكرية أن عناصر من القاعدة يدخلون على خط النزاع وينخرطون في القتال إلى جانب القبائل السنية في معارك تتخذ طابعا قبليا قبل كل شيء. وقد تعتبر بعض الأطراف أن المقاتلين المتشدّدين ليسوا بالضرورة من تنظيم القاعدة بل أبناء قبائل متحالفين مع تنظيم القاعدة بحكم الأمر الواقع. ولذلك يؤكد إيلي الهندي أن “إعادة الشرعية في اليمن هي الطريق الصحيح للقضاء على الفصائل المتطرفة”.