إن الفكر السياسي المعاصر في اليمن لا يرى لليمن صلاحاً إلا بوحدة اليمن، بل إن التجارب التاريخية للحياة السياسية أعطت قدراً معيناً من الفائدة التي ينبغي ألاّ تغيب عن أذهان المفكرين السياسيين المعاصرين، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر أن التطور الحضاري الذي بلغته اليمن في التاريخ القديم والمعاصر لم يكن إلا في ظل وحدة الأرض والإنسان والدولة، أما فترات التشظي والانقسامات لم تقدم سوى الخراب والدمار. فعندما كانت اليمن سلطنات وممالك صغيرة كان كل صغير من هذه السلطنات والممالك مشغولاً بالآخر؛ يكيد له، ويشن الحروب على بعضهم البعض، وكان الولاء ليس لليمن وإنما الولاء كان مجزءاً بين الداخل والخارج، والارتهان للغير من أبسط الأمور التي تسلكها تلك الكيانات الصغيرة المبعثرة. ولئن كانت تجربة التاريخ قد قدّمت لنا هذه الصورة المأساوية للانقسامات، فلماذا لا يستفيد منها المفكرون السياسيون من أجل تقديم الرؤى المفيدة النافعة؟ لأن تجارب التاريخ مدرسة ينبغي التعلم منها، وهذا ما قلناه منذ بداية عام 1990م مع انبلاج فجر إعادة وحدة اليمن الواحد. - إن العقل المستنير عليه فقط أن يدرس الفترة من 1962م إلى 1990م ثم إلى الوقت الراهن، ليضع المقارنة العقلانية والمنصفة لحال اليمن قبل الوحدة والحروب التي كان اليمن مشغولاً بها، وما تحقق بعد إعادة وحدة اليمن في 22مايو 1990م. - ويكفي اللبيب الإثارة والحليم الإشارة؛ ليدرك معاني ودلالات الدعوات التي تظهر بين الحين والآخر من البعض، من أجل فدلرة اليمن من جديد وتمزيقه، نزولاً عند رغبات أصحاب المشاريع الصغيرة الذين لا يرون أنفسهم إلا في أجزاء من اليمن، ولا يستطيعون أن يروا أنفسهم في اليمن الواحد الموحد، وسنتناول تفاصيل ذلك في الأعداد القادمة بإذن الله.