فشلت تجربة الوحدة اليمنية وقد كان محكوما عليها منذ البدء الفشل ليس لان النظام السياسي في الشمال اضطهد الجنوبيين وظلمهم وجعلهم يكرهون الوحدة والذي ادى بالطبع الى الاسراع في ظهور عوامل فشلها , بل لان فكرة الوحدة الاولى لمناطق الجنوب منذ 1967م بنيت على فكرة باطلة ثم اعقبتها الوحدة اليمنية في 1990م ….. منطلقات الوحدة اليمنية …. لم يكن الجنوب قبل 1967م متحدا في دولة واحدة فيما عدا مراحل وفترات زمنية قصيرة , اما التاريخ الحديث للجنوب وخاصة في القرن العشرين فقد كانت هناك مدينة عدن , السلطنات الغربية والسلطنات الشرقية , وقد شعرت هذه الكيانات بالضعف لصغر حجمها , تطلعت الى شكل من اشكال تكوين كيانات اكبر ولكن دون ذوبانها وفقدانها لهوياتها وثقافاتها … رفضت سلطنات القعيطي والكثيري والواحدي والمهرة حينها مساعي بريطانيا توحيد جميع سلطنات الجنوب في اتحاد واحد. تأسس اتحاد الأمارات المتحدة بين عدن وسلطنات المحمية الغربية في نهاية الخمسينات. ومع بداية الستينات تم اعداد تصور لدستور اتحاد امارات الجنوب العربي الذي لم يكتب له النور حينها ….. هل كان الدافع وراء جهود اتحاد السلطنات وازع تاريخي او ديني ؟ , كلا بل لا دراك السلطنات حينها بحاجتهم الى كيان اكبر واقوى يلبي مصالحهم في الامن والتنمية. ظهرت النزعة الى توحيد ( اليمن ) من اتجاهين مختلفين , الجانب الاول من اطماع الحكم الامامي في الشمال في ضم الجنوب اليه , وقد وجه العديد من المذكرات التي تبين هذا المطلب. انحصرت مطالبات الامام حينها بمدينة عدن والسلطنات الغربية ولم يتطرق في جميع مراسلاته الى المحمية الشرقية فلم تكن في تصوره انها ( يمنية ). وفي المقابل عانت المحافظات الوسطى ( تعز ونواحيها ) من ظلم مستمر من الحكم الامامي الزيدي والتي ظلت تعاني منه حتى عامنا هذا , سعى قادتها السياسيون مثل النعمان الى توجيه العديد من المراسلات الى الاستعمار البريطاني في عدن مطالبا اياهم بدعم انفصال تعز وضمها الى عدن ومحمياتها ومع رفض بريطانيا لهذه المطالب كثف ابناء المناطق الوسطى تواجدهم في عدن والدفع بتوجيه الرؤى السياسية في عدن الى تبني شعارات الوحدة اليمينة في اجواء حماسية للوحدة العربية وشعارات القوميين العرب حينها. وقد نجحوا في تبني الجنوب لشعارات الوحدة اليمنية منذ البداية . وقد تطلع الشماليون في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الى تكوين جبهة قوية من الجنوب والمناطق الوسطى للضغط على الحكم في الشمال وتغييره … وهذه كانت احدى خطط البيض مع ( اصحابه ) الذين طمأنوه ان المناطق الوسطى والجنوبية في جيوبهم …. فشلت الخطة ولكن سقط الجنوب بالكامل تحت سلطة النظام في شمال اليمن. هل جميع مناطق ( الجمهورية اليمنية ) يمنية ؟؟ لم تكن مناطق الجمهورية اليمنية الحالية في يوم ما تحت مظلة دولة واحدة , شهدت المنطقة بروز ممالك وسلطنات مختلفة غزت احداها الاخرى اقدمها ممالك حضرموت ثم تلها سبا وغيرها اما كلمة اليمن فلم تكن هناك دولة باسم اليمن الا في القرن الاخير , فقد كانت كلمة اليمن يقصد بها يمين الكعبة وكل المناطق التي تقع في هذا الاتجاه , وبذلك فاطلاق لفظة اليمن على دولة محددة هو استخدام حديث للدولة المتوكلية…هل مناطق الجمهورية اليمنية ذات ثقافة واحدة وهوية واحدة ؟… هل عدن مثل صنعاء ؟ , هل صعدة مثل صنعاء او تعز؟ , هل حضرموت تشبه بهويتها اي منطقة في الشمال او الجنوب؟ هل … هل ؟؟؟؟؟؟. ان مناطق الجمهورية اليمنية متعددة الثقافات والهويات والاختلافات بين المناطق تكون احيانا كبيرة جدا وحينا اقل اختلافا….هل دعوة قبائل صنعاء الى وحدة ( اليمن ) ايمانا بالوحدة ورغبه في عودة الفرع الى الاصل ام انها المصلحة وزيادة النفوذ والقوة والثروة ؟؟؟ الاتحاد قوة ……ولكن !!! سعت سلطنات الجنوب الى تكوين شكل من اشكال الاتحاد فيما بينها. لم يكن الدافع وحتى على مستوى الجنوب ان كل الجنوب يتبع هوية واحدة وثقافة واحدة على الرغم من ان في فترة تاريخية كانت حضرموت الكبرى تمتد من المهرة الى باب المندب , لم يكن هناك قناعة ان الجميع ممكن ان ينصهر في ثقافة وهوية واحدة بل القناعة في ان الكيانات الصغيرة لن تستطيع تأمين امنها وتنميتها الا عندما تكون كيانا اكبر قادر على حماية مصالحها وتحقيق اهدافها … لهذا سعت السلطنات لا يجاد وسيلة لتكوين كيان اكبر وفي الوقت ذاته المحافظة على هويتها وخصوصيتها. وهكذا تكونت اتحاد الامارات العربية المتحدة … لم تكن الحجة في تكوين دولة الامارات الحجة التاريخية او الدينية بل تعزيز المصالح فيما بينها وجرت العملية على مراحل من الاقناع المتواصل التي بذلها الشيخ زايد ( رحمه الله ). اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي , السوق الاوربية المشتركة , اتحاد دول شرق اسيا , دول امريكا اللاتينية وغيرها من التجارب الناجحة في تكوين اتحادات نجحت لأنها لم تبنى على دوافع واهداف دينية او ايدلوجية سياسية بل لتحقيق مصالح مشتركة… مصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية…. وتاريخنا العربي مليء بالتجارب الفاشلة للوحدات العربية لأنها لم تقم على مصالح مشتركة واكبر تجربة على ذلك تجربة الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر . ان الكيانات الصغيرة ليس لها فرص كبيرة في النمو والتطور ما لم تكن جزء من كيان اكبر ..ولكن يجب ان تكون ضمن كيان يحترم هويتها وثقافتها , كيان يحقق العدالة ويحقق مصالحها لمواطنيها و كيان لا يهيمن طرف على اخر بقوة عدده او سلاحه او ثروته , كيان يدخله كل طرف بقناعة كاملة , كيان لا يشعر فيه طرف انه مجبور ومقهور ومظلوم . فهل حققت الوحدة اليمنية هذه الشروط ؟ وهل الوحدة القادمة والتي يتم التسويق لها تحقق هذه الشروط ؟.؟ لم تحقق الجمهورية اليمنية هذه الشروط والفكر السلطوي السائد حاليا في الشمال يبين ان هذه الشروط لن تتحقق مستقبلا وان اي جهود لتكوين كيان واحد للبلد لن يدوم لان عوامل نجاحه غير موجودة وستبقى اي وحدة اريد عملها حاليا ولو تحت ضغط اقليمي ودولي … ستبقى غير مستقرة وستشهد مستقبلا ازمات متعاقبة. اتحاد وليس وحدة …. الواقع الحالي يبين : 1. ضرورة التخلي عن ( يمننه ) هويات المناطق المختلفة والاعتراف بهوياتها الخاصة 2. جهود توحيد سلطنات الجنوب ( الوحدة الاولى 1967م ) وجهود تكوين الجمهورية اليمينة ( الوحدة الثانية 1990م ) فشلت لأنها بنيت على منطلقات خاطئة وغير كافية لإقامة دولة متينة , معتقدات تاريخية وايدلوجية سياسية ….وعملت المحاولتان على الغاء الاخر وطمس الهويات والثقافات. 3. لا يمكن الاستمرار في تجربة الدولة المركزية الواحدة بهوية موحدة , وحتى مطالب التوجه للنظام الفدرالي دون اعتراف كامل بهويات وخصوصيات الكل لن يؤدي الا الى سعي البعض مستقبلا للخروج من النظام الفدرالي والمطالبة بالانفصال… 4. ليس هناك وحدة في ظل اختلاف الهويات والثقافات والمصالح ولكن يمكن عمل دولة اتحادية تحترم التنوع وتخدم المصالح المشتركة 5. ما يهم المجتمع الاقليمي والدولي هو استقرار البلد في دولة واحدة ولن ينجح ذلك سوى بدولة اتحادية تقوم على سيادة كل طرف على موارده, ممارسته لهويته وثقافته واعتراف الكل بها , دولة تقوم على العدل وتبادل المصالح في ما بينها دون استقواء وهيمنة طرف على آخر. ما لم ستبقى المشكلة قائمة …