عندما تناولت الفدرلة خلال الأعداد الماضية لم أكن أقصد الفدرالية القائمة على قوة الدولة وهيبة السلطة المركزية التي تمثل الإرادة الكلية للشعب، وإنما قصدت الفدرالية التي يطرحها أصحاب الطموحات غير المشروعة، الذين لا يعترفون بقوة الدولة ولا يحترمون سلطات السلطة المركزية، ولا يؤمنون بسيادة الدستور والقانون. نعم الفدرلة التي يفرضونها هم وحدهم التي تحقق قانون الغاب الذي يشرع للقوي ليطغى على الضعيف من المواطنين، وهي الفدرلة التي تجعل المواطنين مجرد عبيد، وتنتزع منهم الحرية وتمنع الشعب من حقه في امتلاك السلطة. إن الحديث عن الفدرلة النابعة من الأهواء والرغبات غير المشروعة ينبغي أن يدركه الشعب الذي استعاد حقه في امتلاكه للسلطة بقيام الثورة اليمنية المباركة سبتمبر وأكتوبر، ليتذكر المآسي والجراحات التي كانت قد حدثت أيام المشيخات والسلطنات، ومن حق الشعب على النخب السياسية أن تظهر الحقيقة التي تجعل الشعب على قدر من الوعي المعرفي الذي يمكنه من الاختيار النافع ويخدم المستقبل الذي ينبغي أن يكون أكثر إشراقاً، تكون الهيبة والسلطان والقوة فيه للدستور والقانون وليس للفئوية أو المناطقية أو القروية أو القبلية أو السلالية أو المذهبية. إن الأزمة السياسية بكل تعقيداتها قد فتحت الباب أمام المشاريع الانشطارية، وروّجت للأفكار الضارة بالدين والوطن والإنسانية، ومكنت النفعيين من الممارسة العدوانية على السيادة الوطنية، وأتاحت الفرصة لكل من في قلبه مرض الحقد والكراهية لبث سمومه على الوحدة الوطنية، وأحيت نوازع الشر والعدوان لدى العناصر الشيطانية التي لا تؤمن بالقيم الدينية والوطنية الإنسانية، وأثرت تأثيراً سلبياً على سلوكيات الأفراد، وأتت بظواهر لاتمت بصلة لعراقة وأصالة وحضارة وإنسانية الشعب اليمني التي عرفها العالم عن اليمن عبر التاريخ. ولئن كنا قد أشرنا إلى كل ذلك كان المطلوب من كل صاحب قلم وباحث ومفكر وسياسي ومثقف وعالم أن يقول المفيد النافع الذي يعزز الوحدة الوطنية ويجعل السيادة للدستور والقانون على كافة الناس وينأى باليمن عن الانزلاق إلى مواقع الانقسامات التي تجزء سيادة الدستور والقانون. ومادام الهدف هو رضا الله أولاً ثم خدمة الدين والوطن والإنسانية وتعزيز سيادة الدستور والقانون وبناء الدولة المركزية القادرة والمقتدرة فإن المستقبل سيكون أكثر إشراقاً وازدهاراً بإذن الله.