إن القوى الرافضة للديمقراطية والتعددية الحزبية تعد من القوى التقليدية التي تريد العودة باليمن إلى ما قبل 1962م و1963م، وهي قوى نفعية لا تهتم بوحدة اليمن وأمنه واستقراره وتقدمه وتطوره، ولا يهمها أن يكون لليمن مكانة في العلاقات الدولية؛ لأنها ترى أن منافعها ومصالحها لا تتحقق إلا في ظل الاحتراب وضعف السلطة المركزية للدولة وعدم سيادة الدستور والقانون، وهذه هي البيئة التي تتحقق من خلالها المصالح النفعية لتلك القوى؛ لأن قوة السلطة المركزية للدولة التي تحققت بإعادة وحدة اليمن 22 مايو 1990م قد عززت من سلطان الدستور وقوّت مركز السلطة المركزية، وكادت أن تقضي على مصالح تلك العناصر، وإن التعددية الحزبية والممارسة الديمقراطية لم تحقق طموحات تلك القوى، ولذلك تحالفت كل المتناقضات من أجل الانقلاب على الشرعية الدستورية والتعددية السياسية والديمقراطية. إن العاصفة التي حدثت في تونس ومصر جعلت من تلك القوى تغتنم الفرصة لتدفع بعناصرها إلى الساحات، مستغلة خروج الشباب بالمطالب الحقوقية، وكان الهدف أن تصبغ الانقلاب بالصبغة الثورية، من أجل أن يحظى بالرضا والقبول الشعبي الذي يؤمّن الشرعية السياسية، غير أن الشارع هب رجالاً ونساءً مدافعاً عن الشرعية الدستورية. لأن الكل أدرك أن ذلك التدافع المخيف من الرموز التي لم تكن محل قبول ورضا الشعب، ولا تتمتع بسمعة حسنة، وعرف الشعب عنها الرغبة في تدمير الديمقراطية والتعددية السياسية وإحكام السيطرة المطلقة لاتجاه سياسي لا يحقق رضا وقبول الشعب، وعندما تماسكت قوى الشرعية الدستورية الشعبية عاد الجيش والأمن إلى تماسكه كمؤسسة وطنية كبرى، تغلب الصالح العام على الصالح الخاص، وتصون السيادة الوطنية، وتحمي الدستور والقانون. لقد أدرك الانقلابيون بأن مشروع الانقلاب قد سقط مع تلاحم الجيش والأمن، ولم يكن أمام تلك القوى غير تعزيز تواجدها في الساحات وإحكام السيطرة على المنابر، والحديث عن ثورة من نوع خاص لا صلة لها بهموم الشعب وآماله وتطلعاته، وإنما ثورة تخدم منافع مراكز القوى التقليدية الراغبة في القضاء على الديمقراطية والتعددية السياسية والخروج الفاضح على الدستور والقانون وتحقيق رغبات بعض القوى الإقليمية التي لا تريد لليمن بناء دولة مركزية قوية وقادرة ومقتدرة، وهنا بدأ الاتجاه نحو العمل على منع الشعب من الحفاظ على حقه في امتلاك السلطة، وهو ما سنتناوله في العدد القادم بإذن الله.