تسعى الشعوب في العالم إلى المشاركة السياسية انطلاقاً من مبدأ أن الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه وظهرت الأحزاب والتنظيمات السياسية من أجل الحفاظ على حق الشعوب في اختيار حكامها وصنّاع القرار ، ولم تأت التعددية الحزبية والسياسية إلا من أجل الحفاظ على مبدأ المشاركة الشعبية في الحكم ، وعبر مراحل التاريخ القديم والمعاصر عرفت الشعوب أن الوسيلة المثلى لممارسة هذا الحق لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الانتخابات أو حق الاختيار لمن يمثل المجموعة في أي تكوين تنظيمي سياسي ، وإن اختلفت كيفية ممارسة هذا الحق من مرحلة إلى أخرى إلا أنها في النهاية كانت تقود إلى تحقيق مفهوم المشاركة السياسية. لقد أنتجت التجارب التاريخية لممارسة المشاركة الشعبية عبر الانتخابات حالة الرضا والقبول بين الحاكم والمحكوم وخلقت القناعة بنتائج الانتخاب أو الاختيار القائم على أخذ رأي الشعب ، وترتب على ذلك ظهور الشرعية، أي شرعية السلطة الحاكمة التي خولها الشعب حق استخدام القوة من أجل حماية المجتمع وصون كرامة المواطن، وشرعية السلطة التشريعية التي خولها الشعب حق التشريع والتقنين وشرعية السلطة التنفيذية التي خولها الشعب حق تنفيذ الدستور والقانون الذي صاغه الشعب عبر الاستفتاء الشعبي العام المفتوح. ولئن كانت الانتخابات هي الوسيلة المشروعة والآمنة التي تحقق المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي فلماذا نجد بعض القوى السياسية التي رفعت شعار الديمقراطية وأصرت على التعددية الحزبية تنقلب على هذا المبدأ ، وتلجأ إلى البحث عن ما تسميه الوفاق السياسي ؟ ولماذا اللجوء إلى هذا الوفاق ؟ وماذا تعني بأن لشعبنا خصوصية ؟ أين كانت هذه الخصوصية عندما رفعوا شعار الديمقراطية والتعددية السياسية وجعلوها شرطاً أساسياً للمشاركة السياسية ؟ ألا يدل كل ذلك على الانقلاب على الديمقراطية والتعددية الحزبية ؟ وألا يدل ذلك على أن هؤلاء يسعون إلى تفصيل الديمقراطية وفق هواهم هم دون أي اعتبار للشعب ؟ وألا يدل كل ذلك بأن أمثال هؤلاء لا يحترمون الإرادة الكلية للشعب؟!. إن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة اليوم لمنح الشرعية الدستورية ومن يقل بغير ذلك لا يحترم الشعب، بل يدعي الوصاية ، ويعتبر الشعب قاصراً، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن الشعب قد شبّ عن الطوق وجرب الانقلابيين ولا يمكن أن يقبل بلي عنق الحقيقة بإذن الله.