في الجزء الثاني من اللقاء مع الشاعر اليمني حسن الشرفي يلقي الضوء خلاله على الأزمة اليمنية والغاء دور المثقف والاديب, ويتحدث عن امكانية ان يشغل منصبا حزبيا بالاضافة إلى رأيه في القصيدة والبحث عنها, وكيف تأثر بالعديد من شعراء العالم, امثال نزار قباني والاخطل الصغير وابونواس والشريف الرضي وفي ما يأتي الجزء الثاني من الحوار: من الذي يبحث عن الآخر أنت أم القصيدة? كنت من قبل أنا من يبحث عن القصيدة, لكن الآن القصيدة لها شأن آخر, الظرف تغير, المكان تغير والزمان تغير, الوجوه والمفردات والمصطلحات تغيرت, المعجم الشعري تغير, لأنه كلما شب الإنسان وتقدم في السن زاد الدخول في عالم آخر أكثر مما هو فيه. القصيدة تأتي هي أولاً تبدأ, الهاجس يبدأ ! لكن أنت قل أهلاً وسهلاً ورحب بها بلطف دعها تدخل معك بطريقتها الخاصة, تعامل معها بمحبة, قدم لها قاموسك ورؤيتك وإذا وجدت في نفس اللحظة أن نفسيتك غير مهيأة فأتركها حتى تأتي ونفسيتك شاعرة. جربت أن أكتب قصيدة وأرغم نفسي أن أكتب نصا, أذكر مرة في حجة استدعوني وأنا كنت عضوا في المؤتمر الشعبي العام ومن مؤسسيه في 82م ثم انسحبت بعدها رسمياً في 96م بعد أن وجدت أن الحكاية ما تركبش . في العام 82 اتصل بي محافظ حجة وقال معنا اجتماع في المؤتمر على مستوى المحافظة تعال لكن استدعوا معه محافظا من خارج من الاخوان"الإصلاحيين" وأنا احترمهم وهم إخواني وأصدقائي وأحبابي على طريقة عبده الجندي, حاولت أن أكتب نصا ولأول مرة أجد نفسي لم استطع قول شيء, معي بنتي عبلة وأنا أمشط وقد بدا في شعري ابيض ! قالت : (ابه سيبه) فدخلت القصيدة على الخط فوراً :
بعد أن زار مفرقي المشيبُ ضيعتني إلا إليك الدروبُ إلى أن أقول: وطني أنت بالرجال غني يوم تغنى بالبنكنوت الجيوبُ خل قارون يكنز المال ما شاء فكل منا له أسلوبُ وأمر الحياة أن تنحني الهامات يوماً ويشمخُ العرقوبُ الخبثاء فسروها تفسيرا على أني عنصري وأني قصدت بالهامات الهاشميين, ووالله ما خطرت على ذهني ويعلم الله أني كنت في عالم ثان فأنا أهاجم بني آدم ! الذين يملكون كل شيء ولا يملكون شيئا. في إحدى قصائدك تقول : مافي بلادك للأنهار متسعُ من بعد ما غاب عشب الشمس والبجعٌ ما في بلادك إلا أنت محتفيا بدمعتين بها من حالها وجعُ لو أتينا لهذه القصيدة هناك بيت للراحل البردوني يقول : هذه كلها بلادي وفيها كل شيء إلا أنا وبلادي" هل الإحساس بانتفاء كل شيء في البلاد وكل شيء ليس فيها تصادف عند الشاعر البردوني وعند الشاعر حسن الشرفي ? أنا تأثرت بثلاثة أو أربعة شعراء في البداية هم نزار قباني, البردوني, الأخطل الصغير, أبو نواس العظيم والشريف الرضي, وكان لازما علي أن أثبت نفسي, فمن نعم الله علي أني لا أحفظ إطلاقا لا شعري ولا شعر الآخرين وهذا ساعدني فلو كنت أحفظ لجلست متكئا على فلان أو زعطان, فقد وصلت إلى مرحلة أقول لك أنه منذ العام 85 وما بعد, خرجت من كبسولة الكل حتى أن الأستاذ البردوني قال لي"كنت قريب عهد مني فقلت له أنا قريب عهد بما هو عام, لكن الله يجعلني بعيدا عنك في هذا الجانب, ضحك ومرت الأيام وكنت أعرف علاقة البردوني بنزار قباني, فعلمت بموت نزار كيف أقول للأستاذ البردوني أن نزار مات, الساعة 11 مساء اتصلت به وأعلم أنه في هذا الوقت ينام فقلت له يا أستاذ ما هو أسوأ خبر سمعته اليوم? قال أي والله مات نزار والله ما قد جفت لي دمعة, قلت له ليس معك دمعة ولا عيون أصلاً, لكن ما ستعمل يا أستاذ قال لي إذا غاب الفتى ابن عمه يدفيه, في اليوم الثاني وفي نفس الموعد كتبت له رثاء يقول"من ذا يُقوِلُ بعده السمراء ? لأن أول ديوان لنزار هو "قالت لي السمراء"وبعد فترة مات الجواهري, فاتصلت به وقلت له صاحبك الجواهري مات, ما ستعمل? قال قد الخبر عندك قلت له شد حزامك, واليوم الثاني وفي نفس اللحظة قرأت له في التلفون قصيدة"باق وأعمار الطغاة قصار"المقطع هذا من شعر الجواهري رثى بها عبد الحميد كرامي أبو رشيد كرامي وعمر كرامي"في لبنان عندما مات يوم ال40 للجواهري أقاموا له احتفائية في النادي الأدبي وقرأ قصيدتي علوان الجيلاني فسألت الصحافة البردوني لماذا يا أستاذ لم تكتب للجواهري قال" ماذا أعمل وقد حشرني حسن الشرفي في ظل زاوية ضيقة"ثم أجريت معي مقابلة في التلفزيون في العام 98م سألوني عن البردوني فقلت لهم البردوني إلى ديوانه (مدينة الغد) أنا معه من بعد مدينة الغد أنا ثقافتي وربما ذائقتي وحصيلتي الثقافية لم تصل إلى هذا المستوى بعدها لم أعد قادرا على فهم البردوني لأنه دخل في الرمز وفي الجانب الفلسفي والجدلي, هو رجل عظيم فقالوا له سمعت ما قال الشرفي فضحك, فعندما يقول لك شخص في هذا المستوى"ماذا أعمل وقد حشرني حسن في زاوية ضيقة وسد علي الطريق"هذا لا يقوله إلا إنسان عظيم. العمر والإبداع كيف توفق بين ثقافة المتلقي وبين أن كلما زاد حسن الشرفي عمرا يزيد إبداعا, مثلما قلت المصطلحات, المفردات تغيرت, كيف توفق بحيث إن الكل يفهم الشرفي, هل ممكن أن القصيدة تغلب مصطلحاتها عليك وعلى المتلقي? الإنسان ابن السائد وابن البيئة أنت عندما توجد لك عالما خاصا وتدعي أنك لست ابن البلد ولا أنت منها أو لست ابن همومها ومشكلاتها فأنت هنا تخنق نفسك لكن كن ذهنياً وفكرياً مع البلد وحاجاته ومع طموحه في هذا الجانب أنا أضمن للشخص أن يكون مبدعا مادام مرتبطا مع البلد لكن إذا دخلت حكاية الأنا ودخلت النرجسية فهنا الموت. البردوني وأمثاله كثير إبراهيم الحضراني, أحمد الشامي هؤلاء لم ينسلخوا عن واقعهم وعاشوا الواقع بمتاعبه وجربوا التجارب.. مشكلة الآخرين هذا شأنهم إذا أرادوا هم أن يكونوا هم والزمان على أنفسهم فهذا شأنهم أنا أرفض رفضاً قاطعاً أن أكون أنا والزمان عونا على نفسي, أنا أتفاءل إلى حد ما.. قلت للأستاذ محمد الجنيد وهو شاعر وزميل والله نحن والهم سواء ونحن نعاني, عيب أن ننكسر .. في 94م طلعت صنعاء وعانيت فيها ما لم يعانه إلا القليل مادياً وصحياً .. سألني مسؤول طويل عريض"يا رجال ليش ما تتواصل معنا وتقرب منا وتسأل عنا ? قلت له هذا السؤال لك وليس لي الذين في موقعكم يجب أن يسألوا على الآخرين أنا وأمثالي لكن لو أنا وأمثالي أتينا لكم لا تعتقدون أن تواصلنا نظيف بل تعقدون أننا نريد شيئا وأنا لا أقبل على نفسي!! قال الله إلى أين ذهب فيك الذهن, قلت أقولها بصدق وأنا أعرف. الأحداث التي شهدها اليمن وبلدان أخرى, الربيع العربي والثورات العربية ما الذي تتوقع منها أن تنتج أدباً أو فكراً أو شعرا شبابيا وثوريا, ما تقييمك لما قرأته وسمعته ? كتبت قصائد في بداية العام 90 وبعد الوحدة وقلت لهم الوحدة ماتت في 94 ولن تستمر ودخلنا في نقاش لماذا ? بصدق الإخوان في الجنوب سلموا دولة, سواء هربوا إلى الأمام أو غير ذلك .. نحن استغللنا انكسار الإخوة القادة في الجنوب استغلالا سيئا ودخلنا الجنوب وكأننا عساكر من أيام الترك ننهب ونسلب, ونلغي الآخر, فكتبت يومها" وجاء الانفصال وحين ولى تنابت منه عشرون انفصالا لأن مناكب الأرزاق ليست لكل الناس ميلاً واعتدالا رحنا ننهب أراضي ونستولي, الوحدة جاءت لكن المسؤولية معروفة من ذبح الوحدة? الطرفان لم يكونا صادقين في التوجه الوحدوي, إلا من عصم الله القليلين في الشمال والجنوب, نحن جندرمه وأولئك بقية خبر ثان, البلد يحتاج إلى قيادة واعية لا علاقة لها لا بالشمال ولا بالجنوب نعم نحرص على مصالحنا مع الآخرين لكن نجعل سيادة البلد ووحدته واستقراره خطا أحمر, جاءت أحداث 2011م وإذا قلت لك أني طالبت في أعمالي المطبوعة بالتغيير قبل 35 سنة كما في هذا البيت : ما ذا يفيد قلم مكابد وورقه في بلد تحكمه أمية وزندقه لكن بدأ الربيع العربي وأقول بصدق التوجه كان ثوريا ووطنيا عند القلة ثم جاءت موجات ركبت الموجة الأولى فدخلنا في"شارع ملطامه"لا أول له ولا آخر, وأنا أقول لك بصدق إذا كانت الثورات تؤدي نتائجها إلى ما جاءت إليه مثل هذه النتيجة التي جاءت لهذا البلد فلا بارك الله فيها ثورة, الثورات كلها طالبت بالفساد واجتثاثه فإذا بنا ندخل في مناصفة عجيبة كل رموز الفساد فيها من السابقين واللاحقين من الثوريين والرجعيين وهذا مكتوب, قلت قصيدة اسمها"المحروسة صنعاء". سألت الذين استنفرتهم جهاتهم من الفرق الشتى سؤالا محايداً فكانوا كمن ألقى الزمام لغيره فليس له من رأيه أي قائد قليلون هم من لم يكونوا زعانفا ولا اقترفوا ذنب النضال المزايد وهذا منشور, وليس فوق رأسي بطحاء حتى اتحسس عليها, أنا لست سياسيا أنا مواطن أؤمن بالبلد وبحرية البلد لا أدعي أنني مفكر, ولا إنسان استثنائي لكني مواطن عادي يطلب الحرية والعدل والمساواة والقضاء على الفساد في الجانب العسكري والمدني وفي الجانب الأمني وفي كل مجال. ظهرت مصطلحات خلال ثورات الربيع العربي مثل : ارحل وفليسقط النظام, هل للأدباء والشعراء في اليمن بشكل خاص وفي عالمنا العربي بشكل عام نظام قد نطالب أن يسقط ليحل محله نظام آخر,هل هناك من يجب عليهم أن يرحلوا من كتاب وأدباء وشعراء?. لو كنت محل اتخاذ القرار لالغيت ثلاثة أرباع أدباء البلد وثلاثة أرباع عسكريي البلد وثلاثة أرباع فقهاء البلد وخطباء يوم الجمعة في البلد ومشايخ البلد ويبقى لي من هذا كله الربع, وهذا الربع يعلمهم إلا الله. والبقية والله إنهم فاسدون ولا أزكي على الله أحدا, يا سيدي عندما تصبح شريعة الله ودين الله شماعة ماذا تنتظر? في ميدان السبعين بصنعاء خطباء ضد الفساد وفي شارع الستين خطباء ضد الفساد وحراس ثوريون ضد الفساد وهنا سؤال عجيب طويل عريض من هم? ونفس الحكاية في السبعين وفي دار الرئاسة وفي شارع الستين, يا أخي على من نضحك. الآن من يحكمنا? الداخل? لا, بل نحن محكومون الآن من الخارج أنا فرحت أن الأزمة مرت على هذا الشكل البلد لم تكن تتحمل الفقر موجود والجوع موجود والسلاح موجود لا تتحمل لكن أسمح لي أنه يرحل فاسد معين مثلاً والبديل أحد أركان الفساد الأوائل ما ذا تتصور? يا أخي الشعب تعبان الشعب مسكين الأدباء تعبانون والمثقفون والمفكرون غير موجودين حتى لو أتيح المجال : أحنا قد نكون مطنشين ومش خايفين من شيء لكن عندك المتارس عند نافذة منزلي.
حكومة الثقافة وحكومة العسكر
هل بالإمكان أن تصمد لو أسميناها مجازاً حكومة الثقافة والأدب والشعر أمام حكومة العسكر? لا, أنا ضد دولة يحكمها الشعر وضد حكومة يحكمها الفكر وضد حكومة يحكمها زامل شيخ, أنا مع حكومة مدنية واعية من مفكرين من اقتصاديين من مؤهلين في كل جانب أنا معها! وان شاء الله آكلها يابسة أنا وعيالي, أنا لا أريد"بنت صحن"ولا"سوسي", وهما من أشهر الاكلات في اليمن, في حكومة من هذا النوع .. لا حكومة أدباء مساكين , لأن الشعر والثقافة عمره ماحكم, دور الثقافة في تاريخ الشعوب معروف ودور الفقه في تاريخ الثورات معروف, دين محمد"ص"واضح والعقل واضح, نحن في ربيع عربي أنا أقول لك بصدق والله يشهد أني أخاف أن يتحول إلى شتاء بارد وقارس مخيف مالم تخلص النوايا وهؤلاء الذين قد حكموا خلال الفترة الماضية من عسكريين وعلماء دين وفقهاء وغيرهم عليهم أن ينزاحوى قليل ويدعوا القادرين على قيادة المرحلة يعملون. لو عرض عليك أن تكون زعيما لحزب سياسي في اليمن هل تقبل ?! أسمح لي, إذا كان على غرار حزب المؤتمر الشعبي العام كما أعرف أو حزب الإصلاح كما أعرف أو الاشتراكي الذي كان في عدن فأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وإذا كان هناك حزب يؤمن بالله وباليوم الآخر وبحقوق الإنسان وبأن الله لا يظلم مثقال ذرة وعلى أنه لا يجوز أن نأخذ الدين مطية ولا أن نوظف الكتاب والسنة لمصالحنا ولفتاوانا ونهب المال العام والخاص ونهب الأراضي فأنا غير قادر. أنا لست مع أحد ! ولا مؤطر مع أحد, أنا مع القصيدة والقصيدة عندما تأتي بسياستها هي تقول رأيها تتحدث عن السياسة هي أخبر ? تتحدث عن الحب أو تتحدث عن الطبيعة هي أذكى مني, أنا مجرد ناقل خبر من عندها وناقل الكفر في كل الأحوال ليس بكافر. هل في حياة حسن الشرفي مغامرات عاطفية وملهمات الشعر كما كان الحال مع الشاعر نزار قباني ? ياسيدي لا تصدق نزار, (هذا الكلام كله والله خرط في خرط) .. أنا أحلف وأنا سمعتها من نزار نفسه على أن كل هذه المشاوير بالنسبة للمرأة لا تتجاوز عنده أربع علاقات والخامسة بلقيس وماله علم ! وسجل علي هذا الكلام أنا من لقد أعطاني الله ماكنت أتمنى لبيتي ولعيالي ولمستقبلي ولعيشتي ولفقري ولغناي وأحمد الله وأشكره .. نحن اتفقنا من أول أسبوع بعد زواجنا إذا وجدت عيبا تراه في تصارحني, وأنا إذا رأيت فيها عيبا أصارحها واتفقنا وأخذنا على هذا ميثاق شرف إلى الآن منذ 39 سنة لم يعبس أحد في وجه الآخر أبداً . هل تغار أم الأولاد من بعض قصائدك ? أكيد لكننا قد تفاهمنا على اليسر والعسر (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها), الغريب عندما تعرف أن في رأسي خبرا والورقة والقلم في يدي وأغرب شيء أن الشعر كان يأتيني زمان وأنا نائم في السرير وكشاف اليد عندي والقلم والورقة فعندما ترى الكشاف والورق والقلم ضرة ثانية ومازالت إلا أني كنت انسحب من المشهد وأعتذر للقصيدة وليس لها,اعتذر للقصيدة, وأنا قلت لك إذا جلست في مقعدي وجاءت فرصة وجلست في مجلس أو في مناسبة إلى جانب أنثى امرأة وجاءت القصيدة لتجلس معك في كرسي آخر فعليك الانسحاب فوراً لأنه لا يجوز الجمع بين أختين, إما القصيدة وإما المرأة, ولهذا أفضل القصيدة ولذلك كنت اختار القصيدة, القصيدة حلوة لأنها تأتي بهندامها وبلاغتها وخيالها وبشياطين جنها كما تريد .. المرأة نعم هي الأساس, وأنا أقول لك"غابت لأول مرة .. فكأن روحي ليس مني"لكن القصيدة أبقى رغم أنها أتعبتني لكنها أعطتني.
