يشهد اليمن وضعا أمنيا واقتصاديا متدهورا دفع الشباب إلى اتخاذ قرارات عديدة تجاه تفاصيل حفلات الزفاف حتى تتواصل الحياة، فمنهم من اختار الزواج بأبسط التكاليف، ومنهم من فضل الزواج بشكل جماعي حتى يخفف عن نفسه تكاليف الحفل، ومنهم من حبذ تأجيل زواجه. في صنعاء قررت ياسمين منصر، وشريك حياتها عادل يحيى، إقامة حفل زفافهما بطريقة بسيطة تقتصر على حضور أفراد عائلتيهما والأصدقاء المقربين فقط من أجل توفير التكاليف غير الضرورية. وتقول ياسمين “قد يستغرب الكثيرون من الإقبال على الزواج في ظل الحرب الدائرة، ولكن هذه الحرب جعلتنا نفكر في أهمية استمرار الحياة، لذا قررت أنا وخطيبي إقامة حفل زفافنا بشكل بسيط والاستغناء عن العديد من احتياجات الزواج”. ويرى العديد من الشباب في اليمن أن الوضع الراهن في البلاد وفر تسهيلات كبيرة لهم، حيث يتم الاكتفاء ببعض الاحتياجات الضرورية لإقامة حفل الزواج والاستغناء عن بقية التكاليف التي كانت تشكل عائقا يمنعهم من الزواج. ويشعر زوج ياسمين بالارتياح للزواج في الأوضاع الراهنة، حيث تم تخفيض المهر والحد من متطلبات حفل الزفاف، ويقول “الحرب جعلتنا نفكر بشكل منطقي وواقعي، حيث أعددنا قائمة بالاحتياجات الأساسية فقط ونحن نعيش الآن في سعادة ورضى، ولو تزوجت في غير هذه الأوضاع لكنت الآن مثقلا بالديون بسبب متطلبات الزواج الاعتيادية”. ويدعو عادل الشباب إلى استغلال “ميزة” الظروف الراهنة في ظل الحرب التي يشهدها اليمن، والتفكير بجدية في الزواج لا الخوف منه. ويضيف “تمر البلاد حاليا بظروف صعبة، وهذا ينعكس على الأسر التي لا أعتقد أنها ستمانع من تزويج الشباب بأقل التكاليف، لذا يجب على الشباب استغلال أوضاع الحرب”.ومن بين المظاهر الجديدة التي طرأت على حفلات الزفاف إقامتها في المنازل من أجل توفير تكاليف قاعات الأفراح. يقول نبيل الغابري، موظف أقام حفل زفافه في المنزل “مررت بحالة اكتئاب جراء الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة، ولم أكن أفكر في الزواج مطلقا، إلا أني قررت بعد ذلك اجتياز كل المصاعب والزواج بأقل التكاليف لأن الحياة يجب أن تستمر ولا ينبغي علينا دفن أنفسنا أحياء”. وبالرغم من أن زفاف الغابري كان بسيطا جدا، إلا أن فرحته وفرحة أسرته كانتا كبيرتين، حسب قوله. وتتراوح تكاليف قاعات الزفاف في الغالب بين 50 ألف ريال يمني (نحو 250 دولارا أميركيا) و300 ألف ريال (حوالي 1500 دولار أميركي). وفي إطار السعي إلى تخفيض تكاليف الزواج إلى أقصى حد ممكن، لجأ الشباب أيضا إلى إقامة حفلات زفاف جماعية يتشارك فيها العرسان مصاريف الزواج في ما بينهم. ففي عدن، لم تمنع الأوضاع الصعبة الشباب من الإقبال على الزواج، حيث يقول زيد محمد، إنه قرر أن يتزوج مع مجموعة من أصدقائه الشباب لتحمل تكاليف الزواج بشكل جماعي. سيارات الفرح تغيب عن المشهد ويقول زيد “اجتمعت مع أربعة من أبناء منطقتي وتناقشنا حول السبل المتاحة للحد من تكاليف الزفاف، وتوصلنا إلى إقامة حفل زفاف جماعي يكون مناسبة لإعادة الفرح إلى حينا الذي دمرته الحرب”. ولم يقتصر تبسيط العرس على زيد فقط، فعروسه دلال أحمد لم تستطع حجز قاعة زفاف في عدن، فاكتفت بإقامة زفافها في منزلها وبدعوة جيرانها. وتقول دلال “صحيح لم يكن الزواج الذي حلمت به، لكني حققت السعادة التي سعيت لها”. وبالرغم من إقبال العديد من الشباب على الزواج بأقل التكاليف، قرر البعض الآخر تأجيل حفل زفافه بسبب الظروف التي فرضتها الحرب عليه. سمر الصبري، مواطنة من تعز، جنوبصنعاء، نزحت إلى صنعاء جراء اشتداد وتيرة المواجهات والقصف على تعز بعد أن أنهت كافة التجهيزات لإقامة حفل زفافها. وتقول سمر “قمنا بتجهيز الأثاث وبقية مستلزمات الزواج الأخرى لكن قذيفة دخلت إلى المنزل وأنهت كل شيء”. وتحتفظ سمر ببعض الحقائب التي تحتوي مستلزمات العروس في غرفتها الحالية بصنعاء، وتضيف سمر “كانت القذائف تنهال علينا وأنا أسحب حقائبي لكي لا أخسر بقية تحضيراتي”. وتأمل سمر في إتمام زواجها في أقرب فرصة وإن كان من خلال احتفال بسيط، بعيدا عن العادات والتقاليد المكلفة. وبالرغم من القبول الكبير الذي لاقته فكرة الزواج بأقل التكاليف، لا يزال العديد من الشباب يرفضونها ويرون أن الزواج في مثل هذه الظروف أمر مستبعد ومستحيل. رقص أم حرب سميرة الحاج، طالبة جامعية، تعارض فكرة الزواج في ظل الحرب الراهنة، نظرا إلى أن الزواج في مثل هذه الأوضاع بالنسبة إليها “بناء حياة زوجية في ظل مستقبل مجهول”. وتشير سميرة إلى أن الوضع الاقتصادي لم يعد يساعد على بناء أسرة، وتحمل تكاليف الزواج والأبناء. ويتفق خالد سعيد، سائق سيارة أجرة، مع رأي سميرة، إذ يقول “كيف سأجمع تكاليف الزواج وإن كانت بسيطة في هذا الوضع، فأنا لا أستطيع في بعض الأيام توفير دخل يوم واحد، فكيف بتوفير تكاليف زواج وبناء حياة جديدة”. ويرى سعيد أن نفقات ما بعد الزواج تعتبر مشكلة أكبر، لا سيما في الوقت الراهن، حيث فقد العديد من موظفي القطاع الخاص وظائفهم جراء توقف الشركات والمؤسسات التي كانوا يعملون لديها. ويرى الأخصائيون الاجتماعيون أن تقليل تكاليف الزواج أمر جيد، لاسيما في ظل ارتفاع مستوى البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي. وتفيد عفاف الحيمي، أخصائية اجتماعية، بأن تخفيض ثمن المهر ومتطلبات الزواج ضروريان في ظل الحرب الراهنة في اليمن، ويساعد ذلك أيضا في الحد من نسبة العنوسة المنتشرة، خصوصا في أوساط النساء. وتضيف “ازداد عدد الأرامل والمطلقات والفتيات دون زواج، هذا الشيء خطير ويحدث شرخا في النسيج الاجتماعي وصعوبة العيش الكريم”. وترى عفاف أن الحرب ساعدت في الحد من مظاهر البذخ التي كانت تشهدها حفلات الزفاف، ويمثل ذلك نقطة إيجابية في بلد فقير مثل اليمن.