الغضب توأم الجهل كما يرى أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب"، وأنا أعرف أنني في حالة غضب انسقت للجهل مما دفعني إلى أن أصف كاتبا يتميز بتأملات فلسفية ،متخففة من إرث الفلسفة ،والأسئلة الكبرى ،وصاحب لغة تزاوج بين محكية "اليهاري "في محافظة "إب "والفصحى المعاصرة ،مما يجعل القارئ يستمتع بتلك اللغة التي تخص صاحبها وتشعر القارئ بلذة التواصل معها...لو لم يكن الغضب توأماً للجهل لما سقطت في توصيف محمود بأنه "مهرج "بل ولما تماديت بالسقوط حتى وصفت ياسر العواضي بصفات لا تعبر عن حقيقة شاب من شريحة المشايخ ،يمثل استمرارا لروح الرفض لهيمنة مشايخ "جمهورية 5 نوفمبر" والتي كان من ضحاياها" أحمد عبد ربه العواضي، الذي كان من أهم الشخصيات التي عملت على فك الحصار عن صنعاء من طريق الحديدة ...وكذلك الحال مع ياسر العواضي، والذي كان طيلة سنوات وهو يحث علي عبد الله صالح كي يحكم بالمؤتمر الشعبي العام لا بالقوى التقليدية، التي أودت في النهاية بحكم "صالح" وأعلنت أنه لم يكن سوى"كرت محروق" بحسب تصريحات محمد اليدومي، في لحظة زهو ،وانتقام على اللغة بمثلها ،كرد على تصريحات "صالح "في انتخابات 2006م حين اعتبرهم كرتا استخدم لمرحلة ...،لكن ما لا يلتفت إليه اليدومي هو أن "الكروت" تتساقط بفعل الزمن وفقا لخيارات خارجية ،ولا علاقة لها بالقدرات الذاتية للفرد والجماعة! فلو أخذناها بقدرات الفرد لكان "صالح "ثاني أهم شخصية في اليمن الحديث والمعاصر ،بعد الإمام يحيى يستحق جهدا في قراءة سيرته كحاكم، بل وما قبلها من جذور النشأة ... كان الاختلاف بيني ومحمود ياسين حول "الفقيه سعيد" جده، الذي يراه محمود آخر الفرسان الذين وقفوا ضد الظلم والقهر، فقاد ثورة امتدت من "شرعب" إلى جبل "سمارة"، وهناك كانت نهايته وقتله، هو يراه قائدا ثوريا... وأنا أراه وفق ما قرأته عنه وعن عناوين مؤلفاته السلفية المشغولة بأحوال أهل القبور، وإقامته في تركيا ثم سفره إلى فارس، وعودته إلى قرية "الدنوة" وانطلاقه هناك من مدرسة لتعليم القرآن إلى قيادة تمرد على ظلم واستغلال مشايخ المشرق، ثم تطور هذا التمرد ليصبح مطالبة باستقلال اليمن الأسفل من الإمامة...كل تلك مقدمات تمت في ثلاثينيات القرن التاسع عشر كان من نتائجها أن عاد الأتراك في احتلالهم العثماني الثاني نهاية الأربعينيات(1849م)... وفقا للمقدمات التي كانت مواجهة الفساد بالإفساد، كما وصفه الأكوع الحوالي رغم تعصبه ضد الإمامة! وتأملا في النتيجة التي كانت دخول الأتراك إلى اليمن في احتلالهم الثاني –كان تأويلي، ورأيي في أن حركة الفقيه سعيد القادم إلى اليمن من"الأستانة" خدمت الأتراك... في الأخير تظل المسألة خلافية وتأويلاً يخضع للاستقراء أو يستسلم للرغبات والعواطف، ونقد ذلك يحتاج إلى سياق معرفي يبعدنا من السقوط في الأحكام الجاهزة أو الغضب...