عبد الكريم لا لجي .. القضية التي هزت الوجدان اليمني ، وكشفت عن وجه الإنسان اليمني المفجوع والمغلوب على أمره .. اليمني الذي يتعرض للظلم بكل أنواعه وقد يصل الى الاستخفاف بروحه :الموت .. الإنسان اليمني العاري من ظهر يسنده ويحميه ، عار من المشيخة والقوى التقليدية التي ترفع وترزح أرواحاً ، وتهزم وتنهي أرواحاً أخرى وكله يتم ، بجرة ثور ، وشخطة بندق ،وزامل يبقيه على قيد الحياة ، أو يخيط التهم لينهيه إلى الأبد .ولا لجي واحد من هؤلاء اليمنيين . فقضيته لا تتعلق بتهديد الأمن العام .. وشق اللُحمة الوطنية وتهديد وحدة النسيج اليمني ..قضيته ببساطة لا تتجزأ مما يحدث في بلدنا ، خصوصاً عندما تغيب الدولة ، وتتمثل بالهجمة الشرسة المنظمة لاستئصال التنوع الثقافي والديني ، والسياسي وو..الخ إنها منهجية مدروسة لاقتلاع وحز مفاصل هذا التعدد الذي لا ، ولن تكون اليمن إلا به . ذلكم التنوع الذي تراهن عليه الدول لتنمو وتتطور وتتباهى به أمام العالم ، بكم الديانات التي تتجاور في حي واحد ، وكم اللغات التي تستأنس وتتعامل بها في شارع واحد ، وكم الجنسيات ، والألوان والطوائف والأمم المتزاحمة في مدينة صغيرة ، أما في بلادنا فيجري وبيقين قاطع اقتلاع هذا التنوع من قبل الأطراف الأحادية المهيمنة على الدين واللغة ، والسياسة والاقتصاد ، والحرب والغنيمة ، بل والبشر ، وعلى كل مفاصل الحياة برمتها .
في يمنا بلد الحكمة ( التي حتى اليوم لا ندري على من فصلت هذه الصفة التي لا تمت إلينا بصلة ) فلو كان لدينا قليل من الحكمة والإيمان لما قضينا على إخوتنا اليهود وطيّرنا بهم بمعاول: التمييز ، والفتنة ، والتعبئة بالقتل ،والكفر ، واتهامهم بالعمالة للصهاينة والتخابر مع اسرائيل ، وانهم السبب في حروب العرب مع العدو الاسرائيلي ..نعم تعبئة ظلت ، ومازالت تشتغل عليهم سياسياً وإعلامياً ، ودينياً في المساجد والمدارس والشارع والمؤسسات ،وكانت النتيجة :القتل الصارخ من قبل أناس بسطاء لعبت التعبئة الذُهانية مع سبق الإصرار والترصد ، فهجّروا من بيوتهم ومدنهم وانغرست الجنبية ، وأطلقت الرصاص وكأنهم يقاتلون محتلاً شرساً ، أو كأنهم يقتلون شيطان غواية يمارس السحر والشعوذة ، في الأول والأخير ، قَتلنا بدم بارد ، وبدون ذرة ندم أخوتنا اليمنيين لأن دينهم يختلف عن ديننا .. هكذا شحنتنا مناهج المدرسة ، ومنابر الجوامع ، والإعلام التعبوي السياسي –الديني المريض والمنفلت عقاله من أي ذرة عقل ، عفواً :حكمة ..
وبنفس الطريقة المريضة والمشينة جرى التحريض الممنهج على إخوتنا الإسماعيليين ، خصوصاً المكارمة ، دارت حروب قذرة نالت من ثقافتهم واعيادهم الدينية ، لقد نشرنا فتاوى عضال من أن أعيادهم ينتشر فيها المجون والفسق ..الخ ، دمرنا أضرحتهم ومقاماتهم ، وجعلناهم غرباء عنا ، ونفينا عنهم أن تكون أمهم الملكة أروى كأم جميع اليمنيين ، لقد جرى التمييز والتصنيف ، عبر مقص الفرز على أساس هوياتي عنيف ، وهاهم يدفعون فاتورة الاختلاف حتى يومنا هذا .. ولا ننسى ما حدث قبل أشهر من استهداف التجمع البُهري السنوي وجامع الملكة أروى بعمليات انتحارية ان قاموا بالإحتفال .. ومن شدة التهديدات التي تلقتها الطائفة البُهرية اضطرت أن تلغي تجمهرها بمناسبة موت السيدة أروى ..
وبالمثل جرى تدمير بعض أضرحة أولياء الله الصالحين ، فشنت حملات تكفير مسعورة على المتصوفين والموالد الدينية ..الخ . والآن وبنفس اللوثة تجري حروب الأديان والطوائف بين الزيود والشوافع (الشيعة والسنة)، إنها حروب دينية قذرة ، تستنهض غائلة الدماء والأشلاء ، فلا تستقوي إلا عندما تغيب الدولة الحامية لكل المواطنين بتنوعهم الثقافي والديني .
إن قضية لا لجي لا تنفصل عما ذكرته سلفاً حروب التصفيات في إطار صفقات التطهير بالوكالة ، تطهير ديني وعرقي يشتغل عليه اليمنيون باستماته “ شقاه” محليون لوكالة إقليمية قذرة ، “شقاه” للعص ثومة الجيران بلقوفنا نحن اليمنيين ، حتى لا تتوسخ افواههم ، فقد تعودت افواهنا على ابتلاع كل نفايات أنواع الثومة السياسية والدينية للشقيقة وجاراتها.
لالجي ورفاقه .. قضية سياسية ، فقبلهم كانت تفصل نفس التهم ، لأهم كتابنا وفنانينا ك(محمد المقالح ، وكمال شرف ، وعلي جاحز ، وعلي البخيتي ، وعبد الكريم الخيواني ، وبشرى المقطري ..وغيرهم ) من انهم خلايا تجسسية تتخابر مع ايران ، واذا لم تحكم الدولة هذا المقص السياسي /الديني وتنهيه سينقض علينا جميعاً في محرقة لن تستثني منها أحداً.
قبل الأخير : ما يصيبنا بالسكتة الدماغية الانقلابية من مجموعة القرارات القراقوشية على لا لجي ورفاقه ، وقبلهم لمشتبهين بالتخابر مع اسرائيل ، وغداً قد تكون أنت و أنا أو أي إنسان آخر خالٍ من دسم القبيلة والمشيخة ،عار من بركات أنبياء الستين وانبياء السبعيين ستلبسنا تهمة التخابر مع جمهورية أم الصبيان وعيالها المذرذرين في خبوت “تنكا بلاد النامس” .. ما نستغربه ، لماذا لم تدن الحكومة اليمنية ولا منظمات المجتمع المدني ولا القضاء وميزانه العادل ولا فيالق الحكمة والإيمان ، لماذا لم يصدرون تجريماً أو بيان إدانة على “قوائم العار” ، جموع وجيوش اللجان المطوبرة ل “النفقات الشهرية “ المجلوبة من السعودية ودول الخليج ؟ لماذا لم يحاكم أي شيخ أو جنرال أو زعيم أو وزير من مليارات البترو – وهابي التي ضخت لقتال وتطهير الروافض ؟. لماذا –بالله عليكم – تحولوا كل زعماء “العار” /اللجان المطوبرة الى أبطال ، وحماة الثورة والجمهورية ، وحماة الدين والحكمة ، ومناصري الرسول ، وو..الخ ؟ لماذا لم تمسهم “ مطحنة ومفرمة الهويات ؟ أم أن هذه المفرمة فصلت علينا “ الجدار القصير” : المواطن ؟
أخيراً : تهانينا لآل لجي النافذة المشرقة للحرف والحبر والورقة بصدور قرار وقف الإعدام ،له ولرفاقه ، وهذا لا يعد مكرمة من رئاسة الحكومة بل حق إنسان يريد أن يعيش في بلد المواطنة المتساوية ويكفله الدستور ومواثيق حقوق الإنسااااان .