شريط الشيخ اسامة بن لادن الاخير عبدالباري عطوان الذي اصدره يوم امس، وتبنى فيه عملية التفجير الفاشلة لطائرة امريكية من قبل الطالب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، يأتي على درجة كبيرة من الاهمية سواء من حيث المضمون او التوقيت : اولا: هذه هي المرة الاولى التي يخاطب فيها تنظيم 'القاعدة' الرئيس الامريكي مباشرة 'من اسامة الى اوباما'، وبطريقة تعطي انطباعا بان الرجلين اي المخاطب (بكسر الطاء) والمخاطب (بفتحها) هما على قدم المساواة. ثانيا: تبني عملية التفجير لطائرة دلتا يؤكد ان تنظيم 'القاعدة' يقف خلفها، اي انه هو الذي جند الطالب النيجيري وأعده لهذه المهمة، مما يعني ان المستقبل ربما يحمل للامريكيين، والغربيين عموما، عمليات مماثلة، او ربما اكثر خطورة، فزعيم التنظيم اكد 'ان الامريكيين لن ينعموا بالامن حتى نعيشه واقعا في فلسطين'. ثالثا: ربط عمليات الهجوم على الطائرات الامريكية بالاوضاع المزرية في قطاع غزة بسبب الحصار الاسرائيلي والرسمي المصري، يوحي بان تنظيم 'القاعدة' يريد استغلال حالة الاحباط المتضخمة حاليا ليس في الوطن العربي فقط من جراء ذلك، وانما في قطاع غزة ايضا، حيث توقف اطلاق الصواريخ بصورة شبه نهائية. فهناك مؤشرات عن تنامي قوة التنظيمات الجهادية الفلسطينية الاقرب ايديولوجيا الى فكر القاعدة واساليبها القتالية. رابعا: توقيت اصدار الشريط، وايصاله الى وسائل الاعلام تزامن مع تطورات مفصلية، ابرزها فشل مهمة السناتور الامريكي جورج ميتشل في احداث اختراق في حالة الجمود الراهنة على صعيد عملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي، وقرب انعقاد مؤتمري لندن حول اليمن (28 كانون الثاني/يناير) وافغانستان (29 كانون الثاني/يناير) لبحث كيفية مواجهة تنظيم 'القاعدة' وحركة طالبان. ما نريد قوله ان زعيم تنظيم 'القاعدة' اراد ان يقول للمؤتمرين في لندن، ومعظمهم وزراء خارجية عرب واجانب، مثل السيدة هيلاري كلينتون (امريكا) وديفيد مليباند (بريطانيا)، والسيد احمد ابو الغيط (مصر) والامير سعود الفيصل (المملكة العربية السعودية) علاوة على رئيسي وزراء بريطانيا واليمن، اراد ان يقول لهم ان مؤتمرات كثيرة مماثلة انعقدت على مدى السنوات التسع الماضية منذ احداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر، ولكن 'القاعدة' ما زالت في اوج قوتها، وقادرة على احداث اكبر قدر من الرعب والارتباك في مناطق عديدة من العالم، والغربي منه على وجه الخصوص. بمعنى آخر يريد تنظيم 'القاعدة' وزعيمه ان يقولا بوضوح، انهما 'يملكان القدرات والنوايا' لتنفيذ عمليات ضخمة تتحدى الاجراءات الامنية الغربية الصارمة التي تكلف مليارات الدولارات من اموال دافعي الضرائب. ولعل النقطة الاهم التي يجب التوقف عندها تتلخص في قدرة تنظيم 'القاعدة' ورئيسه على الهيمنة على وسائل الاعلام الغربية والعربية في آن. فمنذ عطلة اعياد الميلاد التي بدأت بمحاولة تفجير الطائرة الامريكية التابعة لشركة 'دلتا' فوق مدينة ديترويت وحتى اصدار الشريط الاخير للشيخ بن لادن، واسم 'القاعدة' وصور زعيمه يتصدران الصفحات الاولى للصحف ومطلع نشرات الاخبار المرئية والمسموعة. وهذا في حد ذاته انجاز اعلامي كبير، فالاعلام هو اوكسجين التنظيمات والجماعات المتشددة والمتطرفة والارهابية. زعيم تنظيم 'القاعدة' سجل هدفا في مرمى الرئيس الامريكي في وقت تتوالى عليه الهزائم في العراق وافغانستان، وتتراجع شعبيته بشكل متسارع، سواء داخل امريكا او في العالم الاسلامي، بعد ان عجز عن ترجمة ما ورد في خطابه في القاهرة الى اعمال.