من المفارقات اليمنية العجيبة أن قدماء الإخوان هنا وأصحاب الوعي الإمامي لم يتفقا على شيء أبداً إلى اليوم مثل كراهيتهما لتواجد عبدالناصر بعد 62م، إضافة إلى تمجيدهما للقبيلة واستخدامها على نحو مركزي يعيق بناء سلطة الدولة وتحقيق العدالة المجتمعية كما كان منتظراً. فلقد تصالح زعماؤهما بعد خروج القوات المصرية من اليمن لتتكفل السعودية حينها بالإنفاق عليهما. ثم ليتفقا على مواصلة تصفية العناصر الوطنية الحقيقية في الجيش والمجتمع وتصعيد العناصر الرجعية المتجنية على فكرة الجمهورية للأسف. ومن ذلك الرحم جاء علي عبدالله صالح كنتيجة طبيعية على أنه يمكننا إيجاد العذر لتوحش الملكيين ضد المصريين الذين توحدوا مع الثوار الشرفاء في حلم واحد بشكل أسطوري خلاب. لكن كيف سنعذر من قالوا إنهم مع الجمهورية آنذاك، وكانوا أكثر من أعاقوا محاولات عبدالناصر والقوى الوطنية في تثبيت مداميك الجمهورية الغضة التي نُهشت من داخلها أيضاً وبشكل أشد مضاضة؟. بالتأكيد ثمة أخطاء لسلطة مصر حينها في اليمن.. أخطاء في المراحل الأولى على صعيد محاولات السيطرة الكلية على إرادة الثوار، أنتجت مخاوف من انتهاك السيادة، وتم نقدها والتحذير منها أكثر من مرة حتى من موالين لعبدالناصر، فيما تم تعديل المسار لاحقاً ومنح القرار الثوري للداخل قبل الخارج. لكن الحقيقة أن مراكز قوى ماقبل الثورة كانوا يتكالبون على هذا الحلم من داخل الصفوف الجمهورية قبل الملكية، ثم سرعان ماعادوا للحكم معاً - كعصابة - من أجل مصالحهما بالتأكيد، لا من أجل مصلحة بلد يستحق الكرامة والتطور والتقدم، ولذلك كانت الضحكة الأخيرة لنسل هؤلاء تماماً كما يقول اليوبيل الذهبي ل62م. صحيح أنهم لايزالون يتصارعون ويختلفون شكلاً لا مضموناً، إلا أنهم على عدم تحقق فكرة الدولة وسلطتها يتفقون، كذلك كانت آفة هذا الوعي المركزي هي السارية على حلم الوحدة. أما الثورة الجديدة فإن أكثر من سيستمرون في مخاصمة حلمها المدني هم الذين لن يغادروا أبداً طور تكوين هؤلاء بالطبع.. هؤلاء الذين لا يستسيغون يوماً أن يكونوا مواطنين كما يمجدون بوعي وبلا وعي، كل ما يتوفق مع العصبية المركزية فقط.