يؤكد قرار مجلس صيانة الدستور في إيران رفض ترشيح حسن الخميني لخوض انتخابات مجلس خبراء القيادة تمسك الجناح المتشدد بالسلطة، في الوقت الذي تشهد فيه إيران صراعاً متفاقماً على خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي. وكانت تقارير تحدثت عن أن اعتزام حسن الخميني، وهو الوريث الوحيد الباقي من أنجال مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، تفجير حيوية سياسية غير مسبوقة في الشارع الإيراني، وخصوصاً في أوساط المعتدلين والإصلاحيين الطامحين إلى روح شبابية جديدة في القيادة. ويبدو أن اقتراب حسن الخميني (43 عاماً) من تيار الإصلاحيين في القيادة الإيرانية، أثار هو الآخر بالمقابل خشية التيار المتشدد الذي يمسك بزمام كل القرارات بما فيها قرارات مجلس صيانة الدستور الذي كشف عن نياته باستبعاد الخميني الحفيد من الترشيح لمجلس خبراء القيادة الذي بيده اختيار خليفة للمرشد الأعلى.
تسريبات وتفيد تسريبات من طهران، بأن قرار رفض أهلية حسن خميني لانتخابات مجلس القيادة، تم التمهيد له على أكثر من صعيد في أوساط التيار المتشدد، ويربط مراقبون بين هذا القرار وما صدر عن أحمد خاتمي خطيب صلاة الجمعة في طهران الأسبوع الماضي من تأكيد على ضرورة احترام الجميع وكذلك التيارات السياسية في البلاد لما يصدر من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي هو من يراقب سير إجراء العملية الانتخابية، ويعمل على صونها. وسبق تأكيدات خطيب الجمعة، رفض المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه ترشيح أي المعارضين لما قال إنه قيم السلطة الشيعية لخوض الانتخابات. وتأتي قرارات مجلس صيانة الدستور الجديدة برفض أهلية 207 بمن فيهم حسن الخميني وسط حالة من الانقسامات الحادة بعد رفض ترشيح آلاف الإصلاحيين للانتخابات البرلمانية.
وتقول التقارير الصادرة من طهران، إن موقف المرشد الأعلى من المرشحين، وموقف مجلس صيانة الدستور، يؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك حالة الصدام "غير المعلن" داخل القيادة الإيرانية بين المتشددين والمعتدلين.
أنصار أقوياء
إلى ذلك، فإن المعلومات التي تم تناقلها غداة ترشيح الخميني الحفيد لنفسه لمجلس خبراء القيادة، كانت تشير إلى أن القرار جاء بتأييد أنصار أقوياء له. وكان تقرير ل(رويترز) قال إن حسن الخميني الذي تربطه صلات وثيقة بالإصلاحيين يعتبر الوريث الرئيسي للأسرة. واشار التقرير إلى ان قراره بالترشح ودخوله الساحة السياسية أضفى كثيراً من الصخب والحيوية على عالم السياسة في طهران.
في الوقت ذاته، قال مصدر مقرب من حسن الخميني إنه حظي بمباركة المرشد الحالي خامنئي في اجتماع عقد الأسبوع الماضي، حيث قال خامنئي لحسن الخميني: "لا مانع (من ترشيحك) ولكن احذر أن تسيء إلى سمعة الخميني واحترامه".
ويبدو أن مثل هذا التحذير، جاءت نتيجته سريعة باستبعاده من الترشح لانتخابات مجلس القيادة، وهو موقع قد يجعل حسن الخميني اقرب لمعركة التنافس على خلافة المرشد الأعلى (76 عاماً) نفسه، حيث صحته في تدهور ملحوظ بعد العملية الجراحية قبل عامين لاستئصال سرطان البروستات.
طموح مدعوم كما أن طموح الخميني الحفيد في منصب القيادة الأول في إيران رغم عدم إعلانه هو شخصيًا عنه، يبدو مدعومًا من شخصيات معتدلة من أمثال الرئيس روحاني وهاشمي رفسنجاني، وهما من الأعضاء المخضرمين لمجلس الخبراء. ويقول عارفون في الشأن الإيراني إن روحاني ورفسنجاني يأملان أن يؤدي تحالف يبدو أنهما يعملان على تشكيله مع "الخميني الصغير" إلى ضخ حيوية جديدة في معسكرهم، مقابل تيار آخر يطمح بخلافة مجتبى خامنئي (45 عاماً) لوالده في منصب المرشد الأعلى.
والخميني الحفيد، حسب مطلعين وقريبين منه ليس رجل اعتدال وحسب، بل إنه "رجل دين تقدمي لاسيما حينما يتصل الأمر بالموسيقى وحقوق النساء والحرية الاجتماعية". ونقلت وكالة (رويترز) في وقت سابق عن صديق للخميني، لم يشأ أن يذكر اسمه، قوله "إنه يتابع عن كثب الاتجاهات السائدة على وسائل التواصل الاجتماعي ويقرأ الصحف. وهو مهتم بالفلسفة الغربية بقدر ما يهتم بالدراسات الإسلامية". وقال الصديق إن حسن الخميني قضى بعض الوقت في ماليزيا لتحسين مهارته باللغة الإنكليزية "وفي الداخل اعتاد أن يجلس في المقاعد العادية في مباريات كرة القدم بدلاً من مقاعد كبار الشخصيات".
وتقول التقارير إن حسن الخميني لا ينحاز علانية الى الإصلاحيين، لكن في تحدٍ لموجة الاعتقالات التي أعقبت الاحتجاجات التقى بالسجينين السياسيين علي رضا بهشتي، ومحمد رضا جلالي بور، بعد الإفراج عنهما بيومين في العام 2010.
ضد الحرس الثوري كما لا يتوقع أنصار حسن الخميني منه أن ينتقد ميراث جده مؤسس الجمهورية الإسلامية، لكنهم يأملون أن يحيي الجوانب المنسية لأبي الثورة، وكان الخميني الحفيد، قال لصحيفة (شهروند) الأسبوعية في العام 2008 : "من يزعمون الولاء للإمام الخميني عليهم اتباع أمره بأن يبتعد الجيش عن الحياة السياسية".
واعتبرت كلماته آنذاك تلك هجوماً مباشراً على الحرس الثوري، وهم قوة عسكرية ذات نفوذ سياسي هائل في البلاد. وبعد مرور 26 عاماً على وفاته لا تزال كلمات آية الله الخميني، تعتبر في الواقع الدستور الثاني لإيران، وقد يكون السجن مآل من يتندر بها. وقال ياسر ميردامادي، الباحث في الفلسفة والدراسات الدينية، الذي أجرى دراسة متعمقة لمحاضراته، ان "حسن الخميني يروج للجانب العصري والديموقراطي لميراث جده، لكنه يلزم الصمت عن الجانب التسلطي المظلم".
وأضاف ميردامادي "إنه يريد أن يثبت أن الخميني الحق هو من يحترم حقوق كل الفئات، وأن الجانب التسلطي كان ضرورة وقتية في السنوات الأولى للثورة". ويعتقد ميردامادي أن المتشددين الذين يبجلون الخميني المتشدد المعادي للغرب سيرفضون ما يرون أنه التفسير الانتقائي لميراثه من قبل حفيده، محذرين من ظهور ما سموه "الخميني ضد الخميني".
انتخاب المرشد الأعلى وعوداً إلى دور مجلس خبراء القيادة في انتخاب المرشد الأعلى، فإنه حسب المادة 107 من الدستور الإيراني "أوكلت مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب، وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط... ومتى ما شخصوا فرداً منهم - باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، انتخبوه للقيادة، وإلا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا، ويتمتع القائد المنتخب بولاية الأمر، ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك".
كما أن المادة 111 من الدستور الإيراني توضح مهام مجلس الخبراء: عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فقده أحد الشروط المذكورة في المادة الخامسة والمادة التاسعة بعد المائة أو علم فقدانه لبعضها منذ البدء، فإنه يعزل عن منصبه، ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة الثامنة بعد المائة. وفي حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين القائد الجديد وإعلان ذلك.