كان حلماً جميلاً ظل يسكن تفكيري سنوات طويلة أن أصبح أساتذة أكاديميون في جامعة تعز باعتبار أن الأستاذ الجامعي الذي يحمل أعلى الشهادات سيكون أكثر علماً ووعياً ورقياً ، هكذا كنت اعتقد يقيناً لكن يبدو أن هذا الاعتقاد لفظ أنفاسه في أول ما وضع في محك الاختبار ، فالجامعات دورها هو النهوض بالأوطان وتأثيرها يفترض أن يكون التأثير الايجابي الذي يعكس الوعي للشريحة المثقفة في البلدان ، ورغم أن تسييس العملية التعليمية كان موجوداً منذ أن دخلت الجامعة وهذا الأمر علامة سيئة في الحقيقة لكننا انخرطنا فيه ودونما تفكير ولم يكن الأمر بهذه الخطورة التي هو عليها الآن ، ربما لأن الوضع كان غير الوضع ؛ إلا أنه ما إن حل بنا ما يسمى بالربيع العربي حتى رحلت كل الفصول وبقي خريف طويل لم يرحل بعد. أستنكر وبشدة أن يصبح الأستاذ الجامعي رقماً في جوال أو رسالة مرسلة له من قيادة حزب توجهه بالريموت كنترول ، للأسف هذا هو الواقع عانينا كثيراً منه العام المنصرم في جامعة تعز حيث أصبح الاساتذة أبواقاً بيد تلك الأحزاب ، تلك الهامات العلمية سقطت بيد رئيس حزب أو شيخ قبيلة ، والذي فاجأني أكثر النقابة التي اخترناها ودونما نظر في انتماء أعضائها لأي حزب أصبحوا يتلقون توجيهاتهم من قيادات حزبهم ، فتارة إضراب وتارة مسيرة ووقفة احتجاجية ، والغريب ليس في ذلك بل الأكثر غرابة أن تقام المسيرات ويحرض الطلاب للوقفات الاحتجاجية حيث اتخذ من الوضع وسيلة لصب الأحقاد الشخصية على قيادات الجامعات ومن له عداء أو اختلاف حزبي مع أحد قيادات الجامعة يصب شعارات الثورة المزعومة ومحاربة الفساد عنواناً للفوضى التي حدثت في الجامعات ، نعم هي الفوضى بعينها وليغضب من غضب ، عندما تتوقف العملية التعليمية في الجامعات الحكومية بحجة التغيير فاعلم أنها الكارثة عندما يستمر الأساتذة بالتدريس في الجامعات الخاصة ويصرون على التغيب من الدوام في الجامعات الحكومية اعلم أن الأمر ليس ثورة ولا محاربة للفساد ولاشيئاً من هذا القبيل ، وعندما تسخر علمك ومركزك في تحريض مجموعة من الطلاب وتتقدم الصفوف وتصرخ بأشد العبارات النابية على زملائك وتنعتهم بالفساد وووو فليست تلك أخلاق الأستاذ الجامعي مطلقاً قد نتفق على المبدأ لكن الوسيلة جداً منحطة عفواً على اللفظ ، والغريب أن من يتقدمون صفوف الوقفات الاحتجاجية هم أكثر المتهمين أيضا بقضايا الفساد والتعصب الحزبي ومن أكثر المداومين في الجامعات الخاصة ، ربما الاثرياء وأولاد المسئولين ليس لديهم الاستعداد في تضييع سنة دراسية عليهم ، أما بقية الشعب فليتوقف سنة وسنتين وأكثر ، لهذا كله احترم من يرفض الفساد ولكن أمقت من يستخدم الوسيلة الجارحة والتي لا تليق بالزمالة ، واتهام الآخرين وتشجيع الطلاب على التمادي ، وتقليل الاحترام لهذا الأستاذ الجامعي ، من المؤلم جداً أن يصرخ الطلاب في وجه أساتذتهم : أنتم فاسدون ارحلوا يا فسدة ، بل تقتحم قاعات التدريس ويتم إخراج الطلاب منها والأستاذ في وضع مؤلم والأكثر ألماً هو أن يقف وراء الطلاب زملاء وأساتذة ، وصلت الأمور أن الطلاب في العام المنصرم رفضوا الدخول في اختبارات آخر العام بحجة أن الامتحان قد ربما يكون صعباً (هههه يعني باختصار قبل الامتحان يجب على الأستاذ أن يحدد الأسئلة لطلابه وهل هي مناسبة لهم أم لا أليست هذه مهزلة، أنا لا ألوم الطلاب مطلقاً ، فاللوم على من وقف هادياً ومرشداً في هذه الفوضى وبكل جرأة يحاربون الفساد والهدف هو اعتلاء منصب في الجامعة أو الاطاحة بزميل خصم ، ومهما كان الثمن وبشاعة الوسيلة. أقصد أن تسييس العملية التعليمية أمر أصبح عائقاً في أداء مهامها المنوطة بها ، وبصراحة أكثر .. نحن مع التغيير على أن يكون البديل هو الأجدر والأكفأ والأنزه وليس المدعوم من حزب معين أو من الشيخ فلان أو علان وإن كان الأستاذ الجامعي مجبراً على التحزب فلا داعي أن يكون التعامل في هذا الصرح العلمي منبثقاً على أساس الحزب والانتماء.. الآن في الجامعة فريقان : فريق يطلقون على أنفسهم ثواراً ومحاربين للفساد والفريق الآخر ينادنهم بقايا النظام وكل شخص منتم للمؤتمر هو فاسد في نظرهم وبلطجي يجب استئصاله مهما كانت انجازاته أو عمله الايجابي..هذه هي الحقيقة فقد أصبحت الجامعة حلبة للصراعات وتأجيج الخلافات والآن نحن في بداية عام جديد وربنا يستر ما الذي سيحدث ، لابد أن يعي الكل أننا كيان واحد ولا داعي للمهاترات والتشدق أكثر وكل يحاسب نفسه قبل ان يحاسب الآخرين ولابد أيضاً أن يكف البعض عن النظر للآخرين على أنهم لصوص وفاسدون لأن هذا الأمر لم يعد مقبولاً أبداً ، فكلنا أبناء اليمن الواحد وإذا كان الوضع الحزبي في الجامعات أمراً مفروضاً علينا لابد من أن يعلم الجميع أن الانتماء لا ينبغي أن يكون سبباً في الفرقة وإثارة الأحقاد ، ولتكن العملية التعليمية بعيدة تماماً عن هذه الفوضى ، ولابد أن نتقبل بالرأي والرأي الآخر ولا داعي لمحاولة فرض حزب على الجامعة والانفراد وتهميش الآخرين لأن ذلك سيؤدي إلى أمور ليست حميدة. فلنكن متعلمين عن حق وحقيقة ولنكن مستقلين ولا ندع أياً كان يقودنا حتى يحترمنا الآخرون ، ليكن هدفنا هو النهوض بالعلم وزرع المحبة والتآلف وأن نكون قدوة يقتدى بها وكل أكاديمي له مكتب يا كرام فالخيمة التي في الساحة لا ينبغي أن تكون بديلاً لتلك المكاتب لمقابلات الطلاب وتصحيح الدفاتر ، فالأستاذ يفترض أن يقوم بواجبه على أكمل وجه حتى يصدق الآخرون أنه ثائر . كتبت هذا لما رأيته يدور حالياً عند الكثيرين وقولهم بأنه لابد أن تعود الوقفات والإضرابات من أجل تغيير قيادة الجامعة ، ولست ضد المطالبة بتصحيح الوضع في الجامعة ، بل ضد توقف العملية التعليمية وإثارة الفوضى وفي الأخير وبصراحة كل من يقود هذه الفوضى أيضاً عليهم دوائر حمراء فلا داعي من المبالغة وتقمص أدوار الأبطال المحاربين للفساد ولا أجد صدقاً لهم أبداً ، فقد هرمنا معاناة منهم ، أتمنى أن يعود الاحترام واستشعار قيمة الأستاذ ومكانته حتى لا يجد نفسه لعبة تشترى بمبلغ أو وعد بمنصب. يا أساتذتي وزملائي ارفعوا رؤوسكم عالياً فأنتم الأفاضل الذين يقتدى بكم وليس العكس والثورة هي ثورة على الفساد وثورة أخلاق ليست ثورة تعمق للفساد وتزرع الفوضى والتعصب ومعاً من أجل النأي بجامعة تعز عن أن تكون بؤرة للصراعات الحزبية.