يتحدثون بإسهاب مفرط عن الحوار الوطني ، وعن استعدادهم ورغبتهم في الحوار ..! هذه القوى التي تلهج بالحوار ، هي الأكثر ايغالاً في الشمولية والعنف ورفض الآخر ..! كيف لهؤلاء ، أساطين الحوار اليوم ، أن يؤمنوا بالحوار ويقبلوا به ، وهم الذين لم يتخلوا يوماً عن العنف والقوة والسلاح ، ولم يقبلوا يوماً بالآخر إلا في حدود ما تمليه مصالحهم وما يعزز مكانتهم ونفوذهم .. ؟! هل نحن مستعدون للحوار اولاً مع أنفسنا.. أي مع الذات، حتى نخوضه مع الآخر..؟! ثم كيف نفهم الحوار الثنائي المتكافئ، والحوار في اطار التعدد، أي عدم التكافؤ..؟! افلاطون يقول بالمعنى الفلسفي إن الحوار هو في أبسط صوره اثنان يتبادلان المعارف والأفكار على اساس الحجة والبرهان..! ونتساءل مبدئياً: هل يمكن ان نخرج هذا المفهوم الجدلي من سياقه الثنائي المتكافئ الى فضاء التعدد والتنوع السياسي والفكري..؟! لانريد ان ندخل في تفاصيل هذه الاسئلة.. ولا أن نتطرق في الاجابات الى مفهوم الجدل بصورة مطولة، حتى لاتتداخل وتتشعب المفاهيم من المنظور الهيغلي الى المنظور الماركسي الى المنظور الديني... الخ. - لكن الثابت هو أننا ما نزال نخاف الحوار ونخشاه ونتهرب منه..! لماذا..؟! لاننا لم نتعلم بعد لغة الحوار.. وتنقصنا الكثير من فنون الحوار وحتى ابجدياته.. نحن لسوء الحظ في مجتمع لا يعرف الا القدح حتى العظم.. أو المدح حتى العظم..! أوليس نحن من المفتونين جداً بالمتنبي أكبر قداح في التاريخ..! - لست متحاملاً على من يدعون أنهم أساطين الحوار واساتذته فهؤلاء أعرف جيداً انهم اكثر من يخافون الحوار، لأنهم أصلاً لايقبلون بالنقد والرأي الآخر.. اذن هم لايقبلون بالحوار إلا كونه طريقة اخرى للابتزاز وفرض الأمر الواقع عن طريق القوة . أدعياء الحوار يفهمون مؤتمر الحوار الوطني القادم بأنه محطة جديدة لتحقيق المزيد من مكاسب الاستحواذ والنفوذ والهيمنة .. ومزيد من الاقصاء والتهميش للآخر ودفن نضاله في سبيل القضايا العادلة ..!