تساورني مخاوف كبيرة على اليمن الذي أصبحت خلف الحبتور حكومته اليوم بأمس الحاجة إلى الدعم والمساندة وهي تواجه محاولات الانفصاليين الجنوبيين في دفع البلاد إلى أتون حرب أهلية بالتوازي مع العصيان المسلح في الشمال على يد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. كما تخوض الحكومة اليمنية أيضاً حرباً ضد الفقر المدقع الذي يعيشه 45.2 في المئة من مواطني اليمن الذين يفتقر الكثير منهم للماء النظيف والكهرباء وفرص العمل . والمؤسف في الأمر هو أن المستقبل ليس مطمئناً أبداً على الصعيد الاقتصادي لأن الموارد النفطية اليمنية, والتي توفر حالياً 80 في المئة من إيرادات الحكومة اليمنية, آخذة في النضوب سريعاً, بل إن بعض المحللين يتوقعون نفادها بالكامل بحلول عام 2017. وتستثمر القوى المرتبطة ب ̄"القاعدة" في اليمن هذه القلاقل, والتي قيل إنها هي من درب وأمد بالتجهيزات الشاب النيجيري الذي حاول في 25 ديسمبر الماضي نسف طائرة أميركية. وقد وضعت محاولة التفجير الفاشلة هذه اليمن في مركز الاهتمام الدولي ودفعت بالولاياتالمتحدة وبريطانيا إلى اغلاق سفارتيهما هناك وإصدار تحذيرات من السفر إليه. المخاوف من أن يصبح اليمن دولة فاشلة أخرى دفعت رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون لاستضافة مؤتمر دولي في لندن الأسبوع الماضي حضره رئيس الوزراء اليمني علي محمد مجاوار و20 من وزراء الخارجية بينهم وزراء خارجية دول مجلس "التعاون" الخليجي. ومع أن مندوبين عن الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي حضروا المؤتمر, إلا أن الجامعة العربية لم تتلق دعوة للحضور. وقد وصف الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى هذا التجاهل بأنه "غريب" ويمثل "إشارة خطيرة." ولكن اسمحوا لي أن أختلف معه هذه المرة. ذلك أن القوى الغربية معتادة على إبقاء العرب بعيدين عن الطاولة عند اتخاذ القرارات التي تخص البلاد العربية نفسها. وقد تكلم رئيس الوزراء اليمني ووزير الخارجية أبو بكر القربي بصراحة عن المشكلات التي يعاني منها اليمن وطلبا من المجتمع الدولي تقديم الدعم "لإنشاء بنى تحتية ومحاربة الفقر وتوفير فرص العمل" إلى جانب طلب العون في "محاربة الإرهاب." ولكن وزيرة الخارجية الأميركية, هيلاري كلينتون, وبدلاً من تقديم الدعم لجهود الحكومة اليمنية فضلت زعزعة هذه الجهود وهي التي سبق ووصفت اليمن بأنه "حاضنة للإرهاب." إنها تذكرني بأنطوني في مسرحية شكسبير عندما قال "لقد أتيت لأدفن قيصر لا لأثني عليه." قالت كلينتون: "ينبغي على اليمن أن يتولى المسؤولية عن التحديات التي يواجهها وعن شؤونه الداخلية." وحذرت الحكومة اليمنية من أنها لن تحصل على الدعم الدولي ما لم تحقق تحسناً في الوضع الأمني ومحاربة الفساد وتثبت بأن المساعدات الخارجية "ستستخدم بفاعلية", بل إنها قدمت العذر للدول المانحة التي أخفقت في توفير 5.2 مليار دولار كانت قد وعدت بتقديمها في مؤتمر للمانحين في عام 2006 بالقول إن امتناعهم عن السداد كان بسبب الخوف من أن يساء استخدام هذه الأموال. لا ريب في أن نبرتها الحادة هذه كانت ذات وقع طيب على المعارضة اليمنية والمتمردين والمتطرفين والانفصاليين في اليمن, ولا ننسى أيضاً ناخبيها الأميركيين المهمين لها والذين اعترف 53 في المئة منهم بتبنيهم مواقف متحيزة ضد المسلمين كما ذكر تقرير "الأفكار الدينية في أميركا" الصادر حديثاً. وقد سبق لكلينتون أن قالت لشبكة بي بي إس التلفزيونية إنها لن تقبل منصب وزيرة الخارجية في دورة رئاسية ثانية لأوباما وهو ما زاد من التوقعات بأنها تخطط للترشح ضد رئيسها الحالي في 2012. يصعب توقع ما إذا كان هذا الموقف المتشدد إزاء الحكومة اليمنية هو موقف شخصي تماماً أم أنه يعكس وجهة نظر البيت الأبيض. ولكن ما لا شك فيه هو أن اليمن يشعر بالقلق حيال توجهات السياسة الأميركية. لذا فقد أكد رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليمنيين على أن وجود قواعد عسكرية أميركية على الأراضي اليمنية أمر مستحيل. قد يكون الأمر على هذا النحو من ناحية المبدأ, ولكن لم يعد سراً اليوم أن عناصر استخبارية وعسكرية من قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية موجودة في اليمن منذ ستة أسابيع على الأقل وتعمل مع القوات اليمنية للقضاء على أتباع "القاعدة", وهو ما تحدثت عنه صحيفة واشنطن بوست. لكن هذه قضية شديدة الحساسية حيث أن الوجود العسكري الأميركي الظاهر على التراب اليمني سيعتبر بمثابة هدية دعائية كبيرة للمتطرفين والمتمردين, وهذا بالضبط ما حذرت منه السعودية. ينبغي على العرب اليوم الوقوف إلى جانب الحكومة اليمنية قبل أن يفوت الأوان بدلاً من الاكتفاء بمراقبة الأحداث وذلك حتى لا يتكرر المشهد العراقي أو الصومالي, علينا أن نسأل أنفسنا عن الدافع الذي جعلنا نقبل بأن تتدهور أرض سبأ إلى مثل هذا الحضيض من الفقر والذي يجعل القوات الأميركية هي التي تعمل بجانب اليمن وليس نحن. تستحق السعودية منا الثناء على نجاحها في رد المتمردين الحوثيين عن أراضيها بعد عبورهم الحدود, ولكن عليها أيضا أن تبادر إلى توفير الدعم العسكري لليمن لمنع انتشار المد الإيراني ليشمل المنطقة كلها. كما يجب أن تكون القوات المسلحة لكل دول مجلس "التعاون" الخليجي تحت تصرف اليمن إلى جانب الأموال اللازمة لتحقيق الازدهار فيه. كلنا يعرف أن الولاياتالمتحدة وحليفاتها في الغرب لا صديق لهم ولا يعرفون سوى المصالح. وهذا هو ما يجب أن يدفعنا لرفض أن يكونوا هم من يحددون مصير اليمن. وعلينا في مؤتمر المانحين الذي سينظمه مجلس "التعاون" الخليجي في جدة في 22 و23 فبراير المقبل ألا نكتفي بالأقوال. إن كنا صادقين فعلاً بأن اليمنيين هم أخوة لنا فعلينا أن نثبت ذلك بتوفير ما يحتاجه اليمن من دعم عسكري ومالي هو بأمس الحاجة له اليوم. وأي تقصير في ذلك هو بمثابة دعوة صريحة لطهران وواشنطن و"القاعدة" لتحويل اليمن إلى ميدان صراع عقائد دموي فيما بينها إلى ما شاء الله من الزمن.