3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    العليمي يشيد بجهود الأشقاء في المملكة من أجل خفض التصعيد في حضرموت والمهرة    لقاء في صنعاء يناقش مستجدات اتفاق تبادل الأسرى    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    عاجل: سلطة حضرموت المحلية تؤكد دعمها الكامل لقرارات المجلس الانتقالي الجنوبي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    الصحفي والمناضل السياسي الراحل عبدالرحمن سيف إسماعيل    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الرياض: تحركات مليشيا الانتقالي تصعيد غير مبرر وتمت دون التنسيق معنا    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    شرعية "الروم سيرفس": بيع الوطن بنظام التعهيد    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسامي يبرز صورة اليهودي في المثل الشعبي اليمني في كتاب "ذاكرة الزُّنار"
نشر في براقش نت يوم 05 - 04 - 2016

تأتي أهمية هذا الكتاب “ذاكرةُ الزُّنار.. قراءة لصورة اليهودي في المثل الشعبي اليمني” للدكتور عبدالحميد الحُسَامي من كونه يكشف عن طبيعة الصورة التي شُكلت في المثل اليمني، أو شكَّلها المثل اليمني، لليهودي في تفاعله وتعاطيه مع المجتمع بوصف اليهودي – موضوع الكتاب – جزءًا من النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني الذي نشأت فيه الأمثالُ، أو أنشأ الأمثالَ، كما يقوم البحث بفحص تلك الصورة من منظور ثقافي يتعقب النص المتجسد في المثل، ويسبرُ أعماقه، ينبشُ في مدلولاته القريبة والبعيدة، مراعيًا تكاملَ الصورة في الأمثال الخاصة باليهودي سواء تلك الأمثال التي تفوَّه بها اليهود، أو التي قيلت عنهم. أي أن الكتاب يتناول اليهودي بوصفه مصدرًا للمثل، و موضوعًا له.

ويتتبع الكتاب الصورة الموضوعية التي يرسمها المثل اليمني لليهودي من كافة الزوايا وهي صورة مهمة؛ لأنَّها تختلف عن الصور التي يقدمها المؤرخون والكتاب، لأن المثل يتميز بتلقائية، وبعدٍ عن الرقابة الرسمية، والاعتبارات السياسية، إنه صوت المجموع، يقدم صورة اليهودي في أبعادها: العقدية، والمهنية، والأخلاقية، واللغوية، والعاطفية، دون تجاهل البنية الفنية التي احتضنت تلك الصورة، ومدى التواشج بين الرؤية وجماليات البناء في تشكيل الصورة الخاصة باليهودي.

وفي ضوء ذلك فإن الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن مؤسسة أروقة للدراسات والنشر يقرأ وفقا لمؤلفه الثقافة اليمنية في هذه الزاوية، حيث يقرأُ المثل اليمني، يقرأُ التفاعل السياسي والعلاقاتِ الاجتماعيةَ والعاداتِ والتقاليدَ، يقرأ اليهودي بوصفه نصًا، ونفسًا، فاعلًا ومنفعلًا.

يقرأُ جدلية العلاقة بين الذات والآخر، وبين الذات والذات، بين الماضي والحاضر. يقرأ تفاصيل الذاكرة الثقافية في تشكُّلها وتشكيلها للوعي الجمعي، إنها قراءة ليست لتزجية الفراغ، ولا لتحقيق التسلية، بل هي قراءة تنزع نحو نقد الثقافة من خلال قراءة زاوية من زوايا الفعل الاجتماعي؛ لفهمه وتقويمه والاسترشاد به في حركة الفعل المعاصر، وهي بذلك تنتمي لحقل الدراسات الثقافية.

يقول د. الحسامي “شهد اليمن عبر مسيرته التاريخية تعايشًا بين المسلمين واليهود الذين غادر كثير منهم اليمن باتجاه (أرض الميعاد) بحسب معتقدهم، رحلوا ولم يبقَ منهم إلا عددٌ قليلٌ في بعض مناطق اليمن ومنها: (رازِح) و(خارف) و(رَيدَة) شمالي اليمن، وإذا كانوا قد رحلوا عن الأرض، واستوطنوا أرضًا أخرى، فإنهم لم يرحلوا عن ذاكرة التاريخ والثقافة؛ حيث حفظ لهم التراث اليمني صورة جليةً لا تزال شاخصةً بتفاصيلها، متجسدةً في طي المثل الشعبي الذي يعدُّ خلاصةً دقيقةً لتجربة الشعب، في حركته التفاعلية مع الواقع، واختزالاً ذكيًا للأبعادِ الثقافيةِ العميقةِ للمجتمع”.

ويضيف “لقد استهواني هذا الموضوع وأنا أتأملُ الأمثال اليمانية في سِفرِ العلامة الراحل القاضي إسماعيل الأكوع (الأمثال اليمانية) فكلما قرأت عددًا من الأمثال وجدت بين الفينة والأخرى مثلاً جديدًا عن اليهود، يحكي قصة يهودي، أو يشير إلى مثل يضرب فيهم، أو عنهم، أو منهم… فبزغت في الذهن بذرةُ البحث، وأخذتْ تنمو حتى استوت فكرةً قلقةً مشدوهة تشغلُ هدوئي، وتستفز فضولَ البحث، ورعونةَ السؤال.

وكلما أوغلت في الكتاب – بجزأيه – تتضافر وتتطافر الأمثال في الذهن لتشكل أجزاءً مبعثرةً لتلك الصورة، ولم أكدْ أنهي الكتاب حتى تلملمت صورة غائمة لليهودي أحسُّ أنَّها متكاملةٌ، ولكنها ما تزال أشتاتًا، فبدأت أجمعُ الأمثال، وأضم الأشباه والنظائر بعضها إلى بعض، فاستوت الصورةُ أو تكادُ، ومن ثم بدأ يتملكني إحساسٌ بالمتعة؛ لأنِّي اكتشفت صورة كاملة لليهودي في طيِّ الذاكرة اليمنية، كانت مطمورة بين أنقاض الأمثال- التي تنيف عن ستين مثلاً – أخذتُ بتعقبها مُرَمِّمَا أجزاءها، أشبه ما أكون بمنقب عن آثار مغمورة، بفرشاةٍ رقيقةٍ يتلمسها ذَرَّة ذَرَّة، تنتظره فرحةُ الظفرِ بما حقق من اكتشاف، أو ما يحسبه كذلك.

وقد أخذتُ بعد ذلك بقراءة تلك الصورة مراعيًا تكاملها؛ بغية أن يحقق تضامُّها صورةً كلية لليهودي، نسبر من خلالها البنية الثقافية العميقة للوعي الجمعي الذي شكل تلك الصورة، انطلاقًا من رؤيتنا للمثل بوصفه بنية ثقافية تختزل الرؤية الجمعية، وإرثًا حضاريًا، يشكل حيزًا كبيرًا من الذاكرة الثقافية، ويوجه العقل الجمعي، ويختزل الرؤية النمطية تجاه موضوعات الحياة، وليس مثلاً عابرًا للطرفة والدعابة الآنيَّة.

حول تسمية الكتاب “ذاكرة الزنار” يرى المؤلف أنه جاء بوصف أن الزنار سمة مظهرية اتسم بها يهود اليمن دون سواهم، وهذه العادة وجدتْ في اليمن منذ فرضها يوسف ذونواس (يوسف يسأر اثأر) في الربع الأول من القرن السادس الميلادي على معتنقي الديانة اليهودية؛ تمييزًا لهم عن بقية السكان اليمنيين، وهي لا تزال موجودة عند اليهود اليمنيين حتى عند الذين هاجروا منهم إلى فلسطين، خاصة المتدينين منهم، وذلك استمرارًا لحياتهم الدينية، وتقاليدهم التي مارسوها في اليمن قبل وصولهم إلى أرض فلسطين.

والزُّنَّار كما ورد في لسان العرب “… زَنَرَ القربة والإناء: ملأه. تزنر الشيء: دق. والزُّنَّار والزُّنَّارة: ما على وسط المجوسي والنصراني، وفي التهذيب: ما يلبسه الذميُّ يشدُّه على وسطه، والزُّنير لغةٌ فيه…”.

ويبدأ د. الحسامي برصد وتحليل صورة اليهودي في المثل بالجانب العقدي والتعبدي، ثم المنظومة الأخلاقية، ثم المهن، ثم العلاقة الجدلية مع الآخر، وأخيرا الصورة السلبية للالتقاء باليهودي، وينتهي بالبنية الفنية للمثل وأثرها في تشكيل صورة اليهودي، مؤكدا إن المثل الشعبي سِجِلٌ مهم لحياة الشعب وحركته في الحياة “يعطي صورة حيةً ناطقةً وصادقةً لطبيعة الشعب بما فيها من تياراتٍ واتجاهاتٍ ظاهرةٍ وخفيةٍ على حدٍ سواء”. وقد رسم المثل اليمني عددًا من الملامح الخاصة بصورة اليهودي، ومن هذه الملامح:

الجانب العقدي والتعبدي: حيث حفل المثل اليمني بعدد من المفردات التي تشكل صورة اليهودي في التزامه العقدي، وممارساته لشعائره التعبدية؛ ومن ذلك:

• التشبث بالمعتقد:

يُبْرِز المثل اليمني صورةً دالةً على تشبث اليهودي بمعتقده، وعدم التنازل عنه، يقول المثل: “اليَهْوَدَهْ في القُلُوبْ”. ويعني أن العقيدةَ محلُّها القلب، وليست في الأشكال والمظاهر. والمعنى: أن الاعتبار في الحكم ليس بظواهر الأشياء وحدها، ولكن بما تنطوي عليه القلوب. “اليَهْوَدَه” هنا معادل لكل مضمر عقدي خفي، فهي اعتقاد قبل أن تكون سلوكًا ظاهريًا.

إن التعبير الكنائي الذي انتزعته الذاكرة الشعبية من عالم اليهودي يدل على مدى حرص اليهودي على التشبث بمعتقده، وحتى لو حدث التحول إلى الدين الإسلامي، فإن اليهودي يظل متأثرًا بيهوديته، فاليهودي حفي بأيدلوجيته الخاصة، يقول المثل: “اليهودي يَهُودِي، وَلُوْ أَسلَم” وفيه دلالة على أن القيم التي يتمسك بها اليهودي تظلُّ لصيقةً به، محفورة في أعماقه، حتى ولو أسلم وتحول عن معتقده، وهذا مؤشر على أن اليهودي يخضع لتربية عقدية عتيدة تجعل انسلاخه عنها أمرًا عصيًا، حتى ولو اعتقد الإسلام، فيظل يعبر عنها بسلوك ما.

إن المثلَ يكشف من زاوية أخرى عن نظرة المجتمع اليمني المسلم لليهودي حتى ولو غدا مسلمًا، ربما لأنه لا يستطيع الانسلاخ عن العمق الذي شكَّل شخصيته وسلوكه، وربما يوحي بعدم القدرة على الاندماج في المجتمع، أو عدم تقبل المجتمع له؛ نظرًا للصورة التي شكلتها الثقافة عن اليهودي؛ فتؤدي إلى رفضِ قبول الآخر (اليهودي)، وتضع بينه وبين المجتمع برزخًا يصعب تجاوزه.

• المنظومة الأخلاقية

حينما نستنطق الأمثال اليمنية فإنها تمنحنا عددًا من المؤشرات أو الملامح التي تشكل شخصيّة اليهودي ومنها:

1 البخل: يقول المثل: “بِدَا مِن يَهُودِيْ ولا سَفَر إلى عَدَنْ”. يقول الأكوع في تعليقه على المثل: “من أمثال التجار، يضرب في الرضا بالربح القليل، وتفضيله على تكبد المشقة والسفر وراء الربح الكثير” والمثل يحمل كناية عن بخل اليهودي وتقتيره ف “بِدَا ” منه – أي فطور – يغني المرء عن السفر إلى عدن.

1- الحذق: تقرر ذاكرة الأمثال في رؤيتها صفةَ الحذق لدى الشخصية اليهودية، إذ يقول المثل: “حذق يهودي”.. واليهود يضرب بهم المثل في حب المال، والجشع على جمعه.” وقد يكون الحذق بمعنى الذكاء الشديد، والمكر والدهاء.”

كما أن اليهودي خبير في عالم التجارة، وله درايةٌ كافيةٌ بحركة البيع والشراء، وأثمان البضائع؛ ولذلك يصبح تقديره للسعر معيارًا لقيمة الأشياء، فالمثل يقول: “لا تِشْتَاطْ إلاَّ بعدْ يَهَوديْ”، والمثل يشير إلى قيمة إيجابية لليهودي تتمثل بالذكاء والخبرة في ميدان التجارة؛ مما يجعله قادرًا على إدراك أسعار الأشياء، ويهيئ الطريق للآخرين في أن يشتروا بعده، بعد أن يكون قد حسم تقدير القيمة الحقيقية للأشياء.

ومن جهة أخرى يكشف المثل عن بنية الاستغلال لليهودي من قبل المجتمع؛ إذ يغدو اليهودي وسيلة للعبور إلى عالم الأشياء وعالم الشراء؛ لأنه حاضر في هذا العالم، فهو يحسم (ويشتاط) والآخر يشتري.

كما رأينا في مثلين سابقين حيث يتحنى اليهودي والآخرون يستغلون ذلك في معرفة مواسم الزراعة. وتشير مناسبة ضرب بعض الأمثال الشعبية إلى الحذق والحيلة في التصرف، يقول المثل: “من طلبهْ كلُّه، فاته كله”.



ويُروى للمثل قصةٌ خيالية – بحسب الأكوع – وهي أن يهوديًا كان يحلج العُطْب (القطن) ويهزج بقوله: “الشرق لي، والغرب لي، والكنز الذي تحت رجلي” فسمعه رجل، فقال: لا شك أن مع اليهودي كنزًا، فاهتبل فرصة خروجه من محله، واقتحم محله، وأخذ يبحث عما يوجد في محله، فوجد جرة مملوءة نقودًا، فأخذها، فلما عاد اليهودي عرف أن تلك الجرة قد سرقت، فقدر في نفسه أن السارقَ لا بد أن يترددَ على المحل ليسمع شكوى اليهودي، فكان اليهودي يهزج بقوله: “لو خلاَّها كانَ املاها”. فندم السارق على استعجاله، وأعاد الجرة في اليوم التالي إلى محلها. ولما رآها اليهودي نقلها إلى مكان حريز، وكان يردد المثل “من طلبه كله، فاته كله”.

ولن تكون أهزوجة اليهودي التي كان يرددها بعيدة عن الحذق الطامح: “الشرق لي، والغرب لي، والكنز الذي تحت رجلي” فيا ترى هل هو الاستشراف لدورهم المعاصر في التحكم في الشرق والغرب، والاستئثار بالكنز (فلسطين، الثروات، الشركات العالمية الكبرى..) فتكون تلك الأهزوجة أهزوجة العقل الجمعي اليهودي على لسان اليهودي حلاج القطن؟ “أو أنها أهزوجة تمثل طموح الفرد اليهودي الممتلك لجرة النقود الذي لا يكتفي بها ويطمح لسواها؟” أو أن البعدين يمتزجان في تحقيق الدلالة؟

المهن: ولا شك في أن اليهود قد عملوا في المهن المختلفة، ومن المهن التي وردت في الأمثال اليمنية: وِقَّار المطحن: حيث كان اليهود يعملون في تخشين الرحى؛ لتكون مناسبة لطحن الحبوب، ومن الأمثال التي أشارت إلى هذه المهنة: “خَرْمَةْ مِوَقِّرْ”.

ندف الصوف: يقول المثل: “يُخْرِجْ مِنَ العُوْدْ عُوْدَيْنْ، عُوْدْ كُرْسِي خِتْمَة، وعود مَنْدَفْ يَهَوديْ” و”المعنى أن الخشبة الواحدة قد يتخذ منها كرسي لوضع المصحف عليه، ومنها ما يجعل منه مندفًا لندف العطب (القطن).

ومن المهن التي احترفها اليهود الخياطة، كما تبين لنا من المثل السابق “عتقصر الجبة”، والحياكة “من المهن الراقية المحترمة لدى يهود اليمن وقد مارسها المثقفون من اليهود منذ القديم ومنهم (سالم الشبزي)، وقد عرف بها يهود شرعب الذين اقتصر عملهم على الحياكة”.

التجارة: إن لليهودي حضورًا وافرًا في مضمار التجارة قديمًا وحديثًا. ومن الأمثال اليمنية التي تشير إلى احتراف اليهودي التجارةَ والتأثير فيها المثل القائل: “السبت سبت ولو بين الخمسين”. وبين الخمسين: منتصف عشر ذي الحجة، وهو اليوم الخامس منه”.

وفي خاتمة الكتاب يشير د. الحسامي إلى عدد من النتائج منها:

– أن المثل الشعبي اليمني قد جسد صورة اليهودي اليمني – ناظرًا ومنظورًا إليه – وهو يمارس حياته، ومناشطه في المجتمع المختلف عنه في الدين، والثقافة، ويعكس المثلُ ملامح تلك الصورة المتذهنة في الوعي الثقافي للمجتمع بوصف اليهودي (آخر) مختلفًا، وبذلك فإن البحث يسهم في النقد الثقافي من خلال المثل الذي يعدّ ذاكرة أجيال، وخلاصة حياة.

– أن المثل الشعبي اليمني كشف عن صورة اليهودي في سلوكه العقدي، والتعبدي، متشبثًا بمعتقده، مقدسًا لمناسباته الدينية، متمسكًا بمظاهره الثقافية التي تعد علامة على هويته مثل: الزنار، والكوفية، كما يعمد اليهودي إلى تحصين هويته، والتزام تعاليم دينه وخصوصيته الثقافية.

– أن المثل اليمني قدم منظومة أخلاقية لليهودي في بخله وحذقه، واحتياله، وتجارته ومراباته، وربما استباحته للمحرمات.

– أن المثل اليمني يكشف عن الوضعية الاجتماعية لليهودي والمستوى الطبقي الذي تمنحه إياه الثقافة وذلك يجعله يمتهن مهنًا محتقرة في الوعي الاجتماعي، ومن ذلك: تخشين المطاحن، وتنظيف المراحيض، وندف الصوف، كما كشف المثل عن احتراف اليهودي للتجارة.

– أن المثل اليمني يكشف عن العلاقة الجدلية بين المجتمع اليمني واليهود الذين يعيشون فيه، وهي علاقة نفي متبادل، وحين يحدث التقاء يكون مؤقتًا، وتغدو المرأة – في الغالب – جسر العبور للقاء بين الطرفين، لكن بنية الاستغلال لجسد المرأة اليهوية تهيمن على تلك العلاقة، وقد تكون علاقة التقاء أيدلوجية حين يتنازل اليهودي عن دينه ويدخل في دين جديد، ويرصد المثل لحظات التقاء محدودة تجسد القيم الإنسانية لليهودي في تفاعله مع أبناء المجتمع من غير ملته.

ولعل تخصص اليهودي ببعض المهن يجعله في دائرة التواصل مع المجتمع لكنه تواصل يتسم بطبيعته النفعية؛ إذ يقدم اليهودي خدماته بمقابل مادي لا يتنازل عنه، ويظل التحيز العقدي، والثقافي عائقًا لحدوث أي التقاء حقيقي يتجاوز أسوار الثقافة، ويؤسس لحوار ثقافي جاد، بل نلحظ أن المثل الشعبي يكشف عن الموقع الهامشي الذي يحدده المجتمع اليمني لليهودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.