سألني الوصابي ما إن كانوا سيتحاورون ضد الظلم، وهو يصغي لمكالمة تلفونية تلقيتها من زميل يحدثني عن نسب التمثيل في الحوار الوطني،. كان يصغي باهتمام كأي سائق تاكسي تجاوز ال60 من عمره، ويقود بتوتر مظلوم يكز على أسنانه، ويختار المطبات ليرطع وجوده عليها بتشفٍّ، ثم إنه من فرط ما تعرض للظلم، يعطف الملفات القاسية داخل الحارات، ويحملك معه في طرق متشعبة وكأنه يبحث عن ظالميه في الطرقات الجانبية لطريقك. سؤال وجيه للغاية. وأنا لم أكن بتلك الوضعية النفسية التي تسمح بأن أبدو متهكماً ضد رجل وحيد، لأقول له: لا يمكن للجنة الحوار تضمين بند يخص ضرورة ملاحقة أولادك الثلاثة العصاة، ذلك أن اللجنة أصلاً منهمكة في إنصاف القوى، وليس إنصاف الوصابي. مع أن الوصابي كان أخبرني بعصاوة الأولاد على سبيل أن الشكوى على الصاحب حجامه، بينما كان دقيقاً وهو يتساءل عما إن كانوا سيتحاورون في اللجنة ضد الظلم، عندما ربط بين تساؤله هذا، والإفصاح عن أن الشيخ ظلمه، وكذلك مدير الناحية، في قضية لا علاقة لها بالشيخ.
ناهيك عما لا يمكن مناقشته في محددات السياسة بشأن تجول الوصابي في مظلمة مبهمة تعمل باطراد على استفزاز جهازه العصبي المرهق بالظلم وسنوات وحدته الأخيرة.
اللجنة واضحة المهام والأهداف، تسعى لتحقيق عدالة تاريخية نعرف جميعاً أنها تسوية يضمنها تمثيل الأقوياء الذين ظلمهم علي عبدالله صالح في أيامه الأخيرة، أو ربما ظلمتهم الجغرافية والتاريخ.
بينما لا أحد يمثل الوصابي، لا أحد يمثل فكرة الهامش، ولا الطالب الذي لا يجد غرفة أو ملزمة.
لا تمثيل لمغترب مراهق صفعه جندي سعودي، ولا تمثيل للفتى الأسود، ولا الأرملة.
التمثيل بالدرجة الأولى لإصبع التحذير القادرة على إعادة ركض البلاد والاحتراب مع الآخرين.. التمثيل لورثة النظام السابق، ولما تبقى منه.
يتجول المدرس براتبه الضئيل ومخاوفه وترويع مدير المركز التعليمي له على مدى عقد كامل، دون أن يشعر أن واحدة من القوى السياسية المتحاورة تمثله أصلاً.. ومن المتعذر تشكيل كيانات عاجلة تمثل المدرسين والجنود البائسين والمهمشين السود ومراهقي الحدود اليمنية السعودية، وأرملة من بلاد الطعام (هكذا قالت) أثناء ما أخبروها أنني صحفي، وجاءت إليّ بدون مطالب واضحة على غرار ما ظننته معاملة لاستخراج ضمان اجتماعي وما شابه، غير أنها تبحث عن إنصاف من رجل خسيس كان زوجها على مدى 3 عقود، ثم تخلى عنها بدون أسباب واضحة تجعلها تفهم.
يرزح مجتمعنا تحت وطأة أشكال من العسف المتعذر تعريفه في بنود حوار وطني، ولم يحدث أن تواجدت متاعب الناس في شخصية وهوية كيان سياسي يمكن الاعتماد عليه أثناء ما يصارع على نسبة التمثيل، على أن تلك هي نسبة تمثيل المتضررين من أشكال العسف اللاممنهج.
الأمر ليس تجديفا ولا هو إدانة للحوار. كما أنه ليس إدانة للوصابي أو لأرملة بلاد الطعام.
بقدر ما هو بحث في تجديفنا التاريخي، وحواراتنا المتلاحقة التي تدور حول "كيف لا نتحارب".
بمعزل عن سؤال كيف ندافع عمن لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، على أننا سنتحاور لإنجاز ضمانات دستورية وحقوقية ضد العسف بكل أشكاله.
أدرك أن الحوار هو للوصول لأساس دولة أقوى وأفضل وأكثر تحديثاً، غير أن الجدل حول النسب والتمثيل يجعل الهدف تسوية بين القوى أولاً وأخيراً.
أخيراً أفصح السائق الوصابي عن مظلمته وهو أن أصهاره الذين أثروا فجأة قبل عشر سنوات انتزعوا منه زوجته الثانية التي تزوجها بعد طلاق أم الأولاد العصاة انتزعوها منه وأرادوا أن يستخدموا ثروتهم الجديدة لإجباره على ترك زوجته. استعان برجل صالح من أهل القرية وذهب معه للتفاوض بشأن استعادة زوجته غير أنهم بدأوا يحدثون الوسيط عن نيتهم بالتبرع لبناء جامع على أن يكون هذا الوسيط الطيب إماماً لهذا الجامع. كان الوصابي يلكز الوسيط أثناء القيلة "كلمهم يردوا زوجتي" فالتفت إليه الوسيط مزمجراً "مش وقت زوجتك".