لاشك أن الحوار الوطني يحتاج إلى الاحتكام لحسن النية للوقاية من مخاطر سوء النية باعتباره المحصلة الطبيعية لأي نزاعات وصراعات وحروب على السلطة، في عصر يقال عنه عصر الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة والتجارة وحقوق الانسان، لامجال فيه لأي طرف إلغاء الطرف الآخر وحرمانه من حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. إلخ، مغلباً سوء النية على حسن النية. أقول ذلك ونحن على بوابة تدشين المؤتمر الوطني العام، باعتباره المرحلة الأخيرة في التسوية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي ومايمثله من نهاية لأزمة سياسية ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، وجعلت الأخ يشهر سيفه بوجه الأخ الآخر في حرب أهلية على السلطة يتضرر منها الجميع ولايستفيد منها أحد على الاطلاق، لاتخلف للشعب اليمني سوى الأحزان والمآسي والمعاناة. ومعنى ذلك أن الحوار يستوجب من كل المتحاورين تصفية العقول والقلوب والنفوس من ثقافة الكراهية والحقد والغدر وتقديم حسن النية على سوء النية في الجلوس على مائدة الحوار بثقة وبعقول مفتوحة وقلوب عامرة بالحب، بحثاً عما خلفته الأزمة من المشكلات وماهم بحاجة إليه من الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، استناداً إلى مرجعية دستورية وقانونية تمكنهم من بناء الدولة اليمنية الحديثة، دولة المواطنة المتساوية والوحدة الوطنية وسيادة القانون، تحتكم فيها جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الابداعية والمهنية والانتاجية والثقافية إلى إرادة الشعب، مقدمة المصالح الوطنية العامة على المصالح الذاتية الخاصة، غاية الجميع تحقيق مايعتمل في احتياجاتهم الحياتية من تطلعات حضارية محققة لقدر معقول ومقبول من السعادة والرفاهية والعدالة. غاية المتحاورين الاحتكام للآراء الموضوعية والبناءة والأخذ بالأفضل أياً كان مصدره وحزبه، بعيداً عن التمترس خلف مالديهم من النزعات والعصبيات الحزبية والمذهبية والقبلية والمناطقية، باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مغلبين الهوية اليمنية على غيرها من الانتماءات الضيقة، منطلقين إلى مالديهم من مقومات قومية وإسلامية وإنسانية في عالم يقال عنه قرية واحدة لامجال فيه للدويلات القزمية والكيانات الضيقة والهزيلة العاجزة عن مواكبة ما يعتمل في عالم اليوم من تبدلات حضارية عملاقة وحتى يكون الحوار بناءً ومثمراً يخرج الجميع من أزمة الماضي وعقده وأمراضه الأنانية والمتخلفة إلى آفاق الحاضر والمستقبل الواعد بالكثير من المنجزات المنشودة، لابديل عن تطوير مالدى الجميع من القناعات المستمدة من التقييمات المجردة والمستفيدة مما حدث من السلبيات والايجابيات، بعد أن أكدت التجربة ولازالت تؤكد كل يوم أن إلغاء الآخر وحرمانه من حقوقه المشروعة عملية مستحيلة، نظراً لما يترتب عليها من مفاهيم رجعية تتنافى مع أبجديات التطور المسلح بالمُثل والمبادئ الثورية والديمقراطية القابلة للحياة وللحرية وللحق وللعدل والتقدم المستمر. قد يحاول البعض خلق العقبات والصعوبات من خلال قدرته على تمرير الألفاظ الغامضة والفضفاضة التي تستغرق الحوار في مقدمات جدلية ذات مطالب أقرب إلى الضياع الناتج عن سوء نية مسبقة يجرى تمريرها عبر سلسلة من المناورات والتكتيكات حتى المحترفة للقدرة على التسويف والتعجيز في المعتركات الجانبية التي تحصر الجهود في نطاق الهوامش الجانبية للحيلولة دون الانتقال من المقدمات الجدلية إلى الموضوعات الواعدة بالنتائج المحسوسة والمفيدة. نعم إننا ندخل إلى حوار اليوم بما لدينا من القدرات والخبرات المتراكمة التي لم تعد اليوم قابلة للتكرار في ظل مااتفق عليه الجميع من مبادرة خليجية وآلية تنفيذية مزمنة توجت بقرارات دولية استوجبت الرعاية العربية والدولية المحايدة، لأن هذه المشاركة غير اليمنية سوف تتحول إلى قوة ضغط سياسية فاعلة ترغم المتلاعبين ومحترفي التسوفق والتطويل على الظهور بقدر معقول من المصداقية والموضوعية الكفيلة بالحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره من خلال الشراكة في الحكومة والقبول بالديمقراطية، استعداداً للقبول بما سوف ينتج عنها من أغلبية حاكمة وأقلية معارضة في سياق التداول السلمي للسلطة. لأن الشراكة في حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات الرئاسية المبكرة لرئيس توافقي ذات أهداف منظورة وواضحة للجميع لايستطيع فيها الطرف الخاسر في العملية الانتخابية الرئاسية أو البرلمانية أن يلتف على صاحب الأغلبية من ساحة المعارضة لأنه سوف يصطدم برفض المجتمع الدولي الذي يعلم بأن الانتخابات كانت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ومحكومة بالمعايير الدولية وغير قابلة للتشكيك الحزبي والسياسي المبني على المغالطة الدعائية التي تظهر غير ما تبطن من نوايا سياسية بحكم قدرتها المدربة على قلب الحقائق واتهام الآخرين بما ليس فيهم من العيوب المصطنعة لتمرير مالديهم من أهداف ونوايا كاذبة وزائفة وغير ديمقراطية. أخلص من ذلك إلى القول بأن نجاح الحوار يحتاج من جميع الأطراف السياسية المشاركة إلى التحاور بمصداقية وموضوعية توفر لهم الحد الأدنى من الثقة المعبرة عن تغليب حسن النية الصادقة على حذلقة سوء النية الكاذبة، لأنهم أيقنوا بعد تجربة طويلة ومضنية من المكايدات والمزايدات الدعائية أنه لابديل سوى الثقة المبنية على المصداقية والموضوعية.