"سوق اليمنية" في وسط مملكة الاردن، كان وما يزال شاهدا على بدايات نمو مدينة شغفت بالقديم والأصالة، وهو من الأسواق الشعبية القديمة، يتميز بالبساطة والعراقة، ويمتد على جانبي بعض شوارع وسط المدينة، من شارع الملك طلال وشارع سقف السيل، وشارع الملك فيصل، وشارع الهاشمي. يتساءل كل من يسمع اسم هذا السوق لأول مرة، عن سر تسمية هذا السوق، وتقول إحدى الحكايات إنه في العام 1916 عندما اجتمع رجالات العرب الأحرار وعلى رأسهم الشريف الحسين بن علي الذي قاد الثورة العربية الكبرى ضد الاستبداد، انضم شباب من اليمن إلى هؤلاء الأحرار الذين تطوعوا في تلك الثورة، فكان للسوق صلة بأولئك اليمنيين. "اليمنيون حاربوا في صفوف الثورة العربية الكبرى، وبقي نفر منهم في مدينة عمّان، اشتغلوا في الأعمال البسيطة التي كانت متوفرة في تلك الفترة. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عمل اليمنيون في بيع ما يعرف ب"البالة"، وهي الملابس المستعملة. ويتميز سوق "اليمنية"، كما يُسمَّى حاليا، بنكهته الشعبية وبساطته؛ إذ ما يزال السوق يضم منذ ستين عاما، إلى جانب محلات بيع ملابس البالة، محلات لبيع الملابس الجديدة بأسعار زهيدة، ومحلات حلاقة، كما يضم مقهى صغيرا ومحلا لبيع السجائر. يصف صاحب أحد المحلات، أحمد المناوي، يوم الجمعة، أنه من الأيام المميزة في سوق اليمنية، لكونه يوم عطلة، يستغله كثير من الموظفين لزيارة "سوق اليمنية" في وسط البلد، ولذلك يعد هذا السوق من أهم المعالم التي يتقاطر إليها الجميع لشراء الملابس والبدلات.ويضيف المناوي أن ما يميز سوق اليمنية هو توفر أكثر من ترزي فيه، يتقنون "تقييف" البدلات. أما بالنسبة للمعاطف، فيقول صالح أبوزيادة، وهو من تجار السوق، إنها ملابس أوروبية مستعملة، وتحديدا من ألمانيا، يقوم مستوردون كبار باستيرادها في شكل "بالات"، ويقومون بتوزيعها على التجار، وهي مصنفة إلى أربع نخب، وسعر البالة بالجملة من 200 إلى 240 دينارا، وتحتوي البالة الواحدة على 12 معطفا، والنخب الأول وسعر البالة 180 دينارا، والنخب الثاني وسعر البالة 120 دينارا، والنخب الثالث وسعر البالة 80 دينارا. وبرأي محمد تيسير الذي كان منهمكا في تفحص البدلات المعلقة أمامه، أنه يجد في هذا السوق ما هو مناسب لدخله المحدود، ولذوقه، و"الموديل" الذي يناسبه، وبسعر زهيد وجودة عالية. أما الطالب الجامعي جهاد الطيان، فهو يرتاد هذا السوق لشراء العديد من المعاطف والجاكيتات، له ولوالده، مما يجعله يبدل ثيابه بشكل مستمر، وبماركات عالمية، من دون أن تكلفه الكثير، ناهيك عن أنه يخفف بها من عبء عائلته المالي. من يدخل هذا السوق يجد ممرا طوليا له مدخلان متقابلان، حيث يصطف على أبواب المحلات العشرات من الخياطين الذين يقومون بخياطة وإصلاح الملابس، الرجالية منها والنسائية، مُلبين في ذلك رغبة الزبون بإتقان ومهنية عالية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الخياطين هم من الجالية المصرية، لا يعجزون عن إصلاح أي قطعة ملابس، فإذا كان البنطال، مثلا، من الموديلات القديمة وشاء صاحبه أن يحوله إلى موديل جديد، فإنهم لا يجدون أي عناء في إجراء التعديلات المناسبة عليه، حتى يصبح حديثا. وكذلك الأمر مع ياقات (قبات) الجاكيتات، والمعاطف، فهؤلاء المحترفون يعيدون تفصيلها، بحسب ما يشتهي الزبون. وهم ينجزون يوميا عشرات عمليات الخياطة، كتوسيع أو تضييق الملابس، بحسب حاجة الزبون، أو تركيب سحابات جديدة، أو تقصير وتطويل الملابس، أو تزويد بعض الملابس بجيوب، أو إلغاء جيوب، أو أعمال الحبكة، أو كي الملابس، وغير ذلك من الأعمال التي يطلبها زوار السوق. ويشتهر السوق ببيع "البالطو" (المعطف الشتوي الطويل) المستعمل، القادم من أوروبا وأميركا، والمتميز ب"دفئه"، وفخامة مظهره، وثمنه المعتدل، والذي تُقبل على اقتنائه فئات اجتماعية متنوعة. زبائن السوق من أصحاب الدخول المحدودة، ومن أصحاب الدخول العالية على السواء. فمنهم الشباب الذيين يبحثون عن "الغريب"، أو الموديل الخاص، حديثا كان أم قديما، ومنهم العربي، ومنهم الأجنبي. لذا يعد السوق ملتقى نادرا لكل طبقات وفئات المجتمع. ويزداد الإقبال عادة على سوق اليمنية في فصل الشتاء، لأنّ هذا السوق يحتوي على ملابس شتوية ثقيلة، وتتوفر بأسعار معتدلة. فقد تكوّن في الذاكرة الشعبية أن هذا النوع من الألبسة موجود في سوق اليمنية "بالدرجة الأولى". والمحلات جميعها في داخل السوق المسقوف متقاربة، ومتجاورة، تجعل أصحابها رغم عددهم الكبير، يشعرونك وكأنهم عائلة كبيرة واحدة، متحابة ومتعاونة في علاقاتها مع بعضها بعضا ومع الزبائن، وحتى مع الزوار المتجولين.