مأساة كبيرة بل كارثة مجتمعية يعيشها أبناء محافظة البيضاء لاسيما أبناء مديريات رداع السبع ، تتمثل هذه المأساة بفرار مئات السجناء من السجن المركزي برداع حيث كانوا يقضون فترة عقوباتهم بموجب الأحكام الصادرة بحقهم بل الأدهى من ذلك أن عشرات منهم محكوم عليهم بالإعدام وينتظرون تنفيذ القصاص الشرعي بحقهم جراء ما اقترفته أياديهم . بداية الكارثة تمكن الشيخ طارق الذهب زعيم تنظيم أنصار الشريعة في رداع ومعه مئات المسلحين من أنصاره منتصف يناير 2012م من السيطرة على أجزاء واسعة من مدينة رداع بما فيها المراكز الدينية والأثرية والمراكز الأمنية ،منها على سبيل المثال: مسجد ومدرسة العامرية و قلعة شمر يهرعش (قلعة رداع) ونقطة التفتيش في لمسان الواقعة شرق مدينة رداع على طريق رداع – البيضاء وبعدها مباشرة تم الاستيلاء على نقطة الجيف الواقعة غرب مدينة رداع على طريق رداع – ذمار بعد أن تم إخلاؤها أيضا من الجنود، وفي شمال شرق مدينة رداع تم الاستيلاء على نقطة «النجد» -الواقعة على خط قيفة- بعد مقتل جنديين والاستيلاء على أسلحتهم. ويضاف إلى ذلك السيطرة على مديرية الأمن الواقعة وسط سوق المدينة بعد أن تم إخلاؤها من الأطقم العسكرية والأفراد والضباط، كما استولوا على مبنى الأمن السياسي والنيابة العامة. وفي اليوم التالي- أي يوم الإثنين 16يناير 2012م- فر جميع نزلاء السجن المركزي برداع منتشرين في أرجاء الوطن بطوله وعرضه .
الهروب الكبير...روايات الهروب السؤال الذي دار في أذهاننا حينها من الذي قام بالإفراج عن السجناء أو ساعدهم على الفرار؟ أجابت وزارة الداخلية من جهتها في اليوم نفسه عن هذا السؤال متهمة (مجاميع من العناصر الإرهابية المسلحة التي اقتحمت جامع العامرية برداع وعدداً من المساجد هي من قامت «اليوم» باقتحام السجن المركزي برداع وساعدت على فرار سجناء على ذمة قضايا جنائية مختلفة).كما أوضحت الوزارة في بيانها (إنه لا يوجد بين السجناء الذين فروا أي عنصر من عناصر تنظيم القاعدة.( مصادر قبلية روت لنا رواية أخرى مفادها أن عناصر من أنصار الشريعة قامت بإخراج بضعة سجناء فقط دون أن تبدي حراسة السجن أي مقاومة في ظل عدم وجود أي تعزيز أمني لحراسة السجن، ثم قامت العناصر بعدها بإغلاق بوابات السجن بإحكام، ونظراً لعدم وجود حراسة قامت إحدى القبائل التابعة لقبيلة قيفة بإخراج أبناء قبيلتها وتركت البوابات على مصراعيها مما سهل المهمة على السجناء، الذين كان من بينهم محكوم عليهم قضائيا وآخرون إرهابيون ومتهمون بجرائم قتل وتقطع ونهب وسرقة ومرضى نفسيون. الرواية الثالثة التي تستدعي الوقوف عليها ملياً رواها لنا بعض أبناء المنطقة الذين كانوا يتابعون قضية مقتل أحد أقاربهم قبل عامين ولم يستطيعوا بأوامرهم الكثيرة الموجهة من وزارة الداخلية والنائب العام لمديرية أمن رداع من إقناع أمن المنطقة بالقبض على المتهمين بقتل قريبهم حيث أكدوا أن مدير أمن مديرية القريشية قد أدين بتهم تهريب مساجين متهمين بالقتل العمد نظير مبالغ مالية وأن النيابة العامة وجهت أوامر قهرية بالقبض عليه . كما أكدوا وجود حالات مشابهة كثيرة حدثت في السجن المركزي برداع وقد قام بعض المنتسبين للسجن المركزي باستغلال حالة الهرج والمرج التي كانت تعاني منها مدينة رداع في ذلك الوقت وقاموا بإخراج السجناء جميعا ثم القيام بإحراق جميع الوثائق والمستندات الخاصة بالسجناء لكي يغطوا على جريمتهم السابقة الخاصة بإخراج سجناء متهمين بالقتل العمد مقابل مبالغ مالية ضخمة . أحد شهود العيان قال إنه التقى مجموعة من السجناء في اليوم نفسه الذي فروا فيه، وقد أخبروه إنهم أحسوا بإهمال وعدم مبالاة بهم في أيام الأزمة، وأكد أنه وجد بحوزة بعض منهم سكاكين وخناجر وبعض القطع الحديدية التي أخذت من الشبابيك كانوا يقومون بتقطيعها وشحذها على شكل خناجر. وأضاف قائلاً: إن أحد السجناء أخبره إنهم كانوا مستعدين للفرار من السجن واستعمال السكاكين والخناجر للغدر بالعسكر.وحسب قول شاهد العيان إن الذي مد السجناء بالسكاكين هو مالك البقالة الموجودة داخل السجن لأنه دار شجار بينه وبين حراس السجن فقاموا بضربه ضربا مبرحاً، ثم بعد ذلك طردوه من البقالة.
نهب السجن المركزي قام بعض أبناء فئة المهمشين (الأخدام) ومعهم بعض المواطنين من أبناء المنطقة بنهب السجن بالكامل.. ولم يبقوا فيه بابا ولا نافذة إلا ونهبوها ،وكان من من المخربين من قام بنهب مخزن الذخيرة في السجن والسلاح أيضاً ،ونهبت كذلك كل السيارات التابعة لأصحاب القضايا وأيضا السيارات المبلغ عنها التي كانت موجودة في حوش السجن حينها. وبعد أربع ساعات من فرار المساجين كان خاوياً على عرشه إلا من بعض المصاحف أعداد السجناء.... وتخبط الأجهزة الأمنية تضاربت الأنباء حول عدد السجناء، حيث قدرت بعض المصادر المحلية برداع عددهم بين 400– 600 سجين، وأغلبهم موقوفون على قضايا جنائية جسيمة متعلقة بقضايا ثأر قبلية . المصادر الرسمية أيضاً من جهتها أعلنت عن أعداد مختلفة للفارين، فمركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية أكد في7 نوفمبر من العام الماضي أن إجمالي السجناء الذين فروا خلال تعرض السجن للاقتحام يبلغ 246 سجينا!! وأضاف المركز قائلا إن الأجهزة الأمنية قد تمكنت من ضبط قرابة 80 سجينا فارا من سجن رداع، جميعهم متهمون بجرائم قتل عمد، فيما تواصل جهودها لتعقب وضبط بقية السجناء الفارين. مدير أمن مديرية رداع الحالي العقيد حمود العماري اتهم «بعض المسئولين حينها بالتواطؤ لتسهيل فرار السجناء» وقال إن أعداد من فروا من السجن بتاريخ 16يناير من العام الماضي كان 184 سجيناً فقط لا غير، منهم 96 سجيناً محكوماً عليهم بأحكام مختلفة (منهم من ينتظر تنفيذ حكم الإعدام) ،و59 سجيناً كانوا رهن المحاكمة ،و29 سجيناً كانوا رهن التحقيق. العجيب في الأمر والذي يبين بلا شك أن وزارة الداخلية لا تعلم شيئاً عن أعداد السجناء الذين فروا أن وزارة الداخلية عادت وناقضت نفسها عندما أعلنت الوزارة تقريراً نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ" بتاريخ 15مارس 2013 قالت فيه إن من فروا من سجن رداع كان عددهم 199 سجيناً !!!! وعن إجراءات الأجهزة الأمنية التي اتخذتها للقبض على الفارين قال العماري «إن الأجهزة الأمنية عممت أسماء الفارين على جميع المنافذ ،وأنها تقوم بتعقبهم والقبض عليهم واحدا تلو الآخر». وهذا ما أكده تعميم برقم 13/ت/2012 صادر من وزير الداخلية لمصلحة الهجرة والجوازات ومدير أمن أمانة العاصمة ومدراء أمن المحافظات ل(البحث عن السجناء وضبطهم ووضعهم في القائمة السوداء والتعميم بذلك على جميع المنافذ. ( استطعنا الحصول على مذكرة برقم م/177بتاريخ 24 يناير 2012 موجهة من النائب العام الدكتور الأعوش إلى وزير الداخلية «لإعادة المساجين إلى محبسهم وتعزيز السجن بالحراسة اللازمة»، وهذا ما لم يتم فالسجن لا يستقبل السجناء حتى اليوم. وحول هذه المشكلة تواصلنا مع الأخ محمد عايش مدير مكتب وكيل محافظة البيضاء لشئون رداع الذي قال (إن السجن حاليا لا يستقبل المساجين، لذلك يتم إرسال القضايا الجسيمة إلى إدارة أمن محافظة البيضاء .(
ادعاءات كاذبة للحصول على ترقيات !! من المؤسف أن منطقة أمن الصافية بأمانة العاصمة قامت برفع تقارير تفيد بأن ضباطا في قسم الفتح التابع له قد استطاعوا القبض على سجناء بعد تحريات ومطاردات مع أن تلك التقارير عارية عن الصحة . ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع تحدث إلينا المهندس محمد سعد علي -وهو أحد أقارب السجناء الفارين- قائلاً إنه بعد فرار أخيه السجين ووصوله إلى منزله في القرية قام بتسليمه إلى أحد مصحات العاصمة نظراً لأنه يعاني من أمراض نفسية، وقال إنه أبلغ الشرطة حينها لكنه تفاجأ بأن صحيفة الحراس تنشر خبراً مفاده أن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على أخيه بعد تحريات ومجهود كبير، وقد ذكرته بالاسم. السبب الذي يجعل الضباط يدعون ما لم يقوموا به أصلاً هو الحصول على ترقيات استثنائية وليضاف ذلك (العمل البطولي) إلى ملفات خدمتهم بغير وجه حق. وكلام المهندس أكده العقيد حمود العماري الذي قال « إنه استاء كثيرا عندما قرأ خبرا صادرا عن صحيفة الحراس التابع لوزارة الداخلية مفاده أن الأجهزة الأمنية تمكنت من القبض على 2 من الفارين بعد متابعة وتحرٍ مع أن أهاليهم هم من قاموا بتسليمهم إلى مصحة الأمراض العقلية وأبلغوا السلطات بذلك». واختتم العماري حديثه بدعوة المواطنين جميعاً للتعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أماكن وجود الفارين لخطورة وجودهم خارج أسوار السجن على حياتهم وحياة المواطنين الآثار المأساوية المترتبة على فرار السجناء نظراً لأن مدينة رداع ومديرياتها السبع ذات طابع قبلي فإن الثأر كظاهرة متفشية في تلك المنطقة بشكل مخيف جراء انتشار السلاح والأعراف والتقاليد القبلية، جعل من جرائم القتل أمراً شبه يومي.. ونتيجة لذلك فقد امتلأ السجن المركزي برداع بالعشرات منهم وعند فرارهم أصبح المجتمع في حالة خوف ليس منهم فقط بل أيضاً عليهم .
قصص مأساوية فر جميع نزلاء السجن وهم يظنون أن أبواب القدر قد فتحت لهم لكن تبين انها ماهي إلا بداية لمآس كثيرة عليهم وعلى ذويهم وعلى المجتمع ككل. في ال17ديسمبر الجاري وفي منطقة مذبح بالعاصمة صنعاء التي آثر الأخوان عبداللطيف الرَّبع وأخوه محمدالرّبع العيش فيها بعد فرارهما من سجن رداع يتم إطلاق النار عليهما ما أسفر عنه مقتل عبداللطيف الرّبع وأصيب أخوه إصابات خطيرة وهو الآن بين الحياة والموت في العناية المركزة في مستشفى الثورة العام بصنعاء. الخلفية ثأر قبلي بين آل الرّبع وآل النجدي . وهو ما وضحته مذكرة برقم (309) صادرة عن إدارة أمن رداع بتاريخ 24ديسمبر2012موجهة لوزير الداخلية. أحد المحكوم عليهم بالإعدام ويدعى (محمد علي النيني) قُتل أيضا بجانب السفارة السعودية بصنعاء، شخص آخر يدعى الشاهري من العبل قيفة محكوم عليه بالإعدام قتل بمجرد وصوله إلى قريته مباشرة، شخص آخر يدعى الضريبي محكوم عليه بالإعدام قام بقتل 2 من أبناء المنطقة. الرابط المشترك بين هذه الحوادث -التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر - هو أنها حدثت جميعها على خلفية ثأر قبلي. الشيخ محمد حسين المسعودي أحد عقال المنطقة انتقد تقصير الجهات الأمنية في ملاحقة الفارين وإعادتهم إلى السجن ،وطالب بمحاسبة الفاسدين منهم، وبالذات في منطقة رداع لأنهم تسببوا - حسب قوله – في فرار 400 سجين من بينهم العشرات من القتلة. اتضح أن كثيرا من الفارين لاسيما المتهمين بالقتل العمد أو الذين تمت إدانتهم بذلك وبعد أن منعهم أهاليهم من العودة إلى قراهم خشية أن يدخلوهم في ثارات جديدة عندما يلاحظ (غرماؤهم) وجودهم ،لم يجدوا لهم مأوى قد التحقوا بتنظيم أنصار الشريعة وهم يقاتلون في صفوفه الآن ضد قوات الجيش التي قدمت في حملة عسكرية كبيرة . لقد مرت أكثر من سنة من المعاناة التي يعانيها أبناء المنطقة والمحافظة ككل ،وما بين تقصير الأجهزة في أداء مهامها لإعادة السجناء إلى السجن ودخول القبائل المختلفة في صراعات تجددت كان سجن من قاموا بإذكائها كفيلا بتجميدها.