قدّم المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في 18 أغسطس الجاري في الجلسة الاستثنائية لمجلس الأمن لمناقشة تطورات الأوضاع في اليمن إحاطته التي هي ليست الأولى، والعديد من فقراتها ترددت مرات كثيرة، لكنها لم تقل شيئاً بالنتيجة لجهة مسؤولية الأممالمتحدة ودورها إزاء هذه الأزمة المتفجرة والمتداعية في مجالات عديدة. كان ولد الشيخ موفقاً حين استهل إحاطته بالقول: «يعيش اليمن لحظات حرجة وصعبة ويدفع المدنيون الثمن الأكبر في الصراع المستمر، فمن لم يمت بالحرب قد يموت من الجوع، أو المرض، مع تدهور الوضع الاقتصادي وتفاقم الحالة الإنسانية». بيد أن الأمر بعد ذلك ينزلق إلى حالة غريبة حين يساوي المبعوث الأممي بين الجلاد والضحية. يقدم إسماعيل ولد الشيخ عرضاً قاتماً لما يجري في اليمن، إن فيما يجري في جبهات المواجهات العسكرية أو التداعيات حيث: «يعصف الموت باليمنيين جواً وبراً وبحراً وكذا الأمراض والأوبئة التي شهدت معدلات غير مسبوقة». وهو يمضي في هذا العرض بتصميمه على الناحية السياسية حين يقول: «ومن لم يقتله داء الكوليرا يعاني حتماً نتائج الكوليرا السياسية التي أصابت اليمن والتي مازالت تعيق مساره نحو السلام». و«إن أطراف النزاع يفوتون الفرصة تلو الأخرى وكأن بعض المعنيين بالنزاع يريدون الاستفادة من الانشقاق الداخلي لمصالح شخصية». قد يرى البعض أن هكذا أطروحات تمليها «الوساطة» الأممية غير أن هذه الذريعة تسقط أمام تغييب حقائق وقضايا جوهرية ومن ذلك: أولاً: إن الإحاطة توقفت أمام النتائج أو الأوضاع المترتبة الآن في المشهد اليمني، لكنها لم تورد مجرد إشارة إلى الأسباب، وهي الحركة الانقلابية التي استهدفت الشرعية الدستورية في البلاد بمؤسساتها والعملية السياسية في فترتها الانتقالية بمرجعياتها المتمثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات الشرعية الدولية. لقد كانت اليمن حتى عشية الانقلاب الأسود مفتوحة على تغيرات مستقبلية وهذا ما ترسمه وثيقة الحوار الوطني التاريخية. والانقلاب الأسود لم يستهدف إجهاض هذه العملية كما جرى في السابق إجهاض وثيقة العهد والاتفاق بحرب 1994 التي أجهزت على الوحدة اليمنية فقط، بل إن لجوء الانقلابيين إلى حرب السيطرة على البلاد والعباد فتح أبواب حروب الدمار الجهنمية. ثانياً: تتحدث إحاطة المبعوث الدولي عن اتصالات مع الانقلابيين، وفي شأن مبادرة الحلول الجزئية لقضايا الحديدة ومطار صنعاء والرواتب والمساعدات الإنسانية، وعن جولة الزيارات التي سبقت تقديم هذه الإحاطة لعدد من الدول الإقليمية، لكنها كسابقاتها من الإحاطات المقدمة لمجلس الأمن لم تأتِ على دور الأممالمتحدة من حيث تقييمه. من هذه الزاوية يمكن القول، إن الانتقادات والاتهامات لأطراف الحرب في اليمن من قبل الأممالمتحدة مردود عليها، لا لأنها تساوي بين الجلاد والضحية فقط، بل لأن الدور الأممي مازال بعيداً عن المسؤولية. معلوم أن أي انقلاب على الشرعية الدستورية في أي بلد لا يتفق ومبادئ ومواثيق الأممالمتحدة. ومن هذه القاعدة كانت الإدانة الدولية للانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن، وعليه كانت هناك قرارات للشرعية الدولية لإنهاء الانقلاب. السؤال: هل كان الدور الأممي مرتبطاً بهذه القضية؟ باستثناء محطة الكويت التفاوضية يمكن القول إن التحركات والمبادرات التي سوقت ومازالت تسوق أممياً في شأن الأزمة اليمنية لا ترتقي إلى مصاف الحل الذي يضع إنهاء الانقلاب الأولوية لوقف الحرب في البلاد والعودة إلى مسار العملية السياسية في مرحلتها الانتقالية. إن الدور الضعيف أو الغائب عن مواجهة الأزمة جذرياً من جانب الأممالمتحدة التي تحمّلت رعاية هذه العملية، أدى إلى نتيجة واحدة، وهي استمرار الحرب واستعارها، وهذا لم يأتِ لغياب التنازلات المتبادلة بين المتحاورين لأن القاعدة الصحيحة تجاه ما جرى في اليمن إنهاء الانقلاب لتبدأ بعد ذلك العودة إلى مسار العملية السياسية. إن اليمن في حال كارثي ناجم عن مغامرة ومؤامرة، ومواجهة هذا الوضع لا تكون عبر المسكنات والحلول الترقيعية، بل بمواجهة الأسباب التي تمثل الحلقة الرئيسية في سلسلة التداعيات العاصفة بحياة العباد ومصير البلاد. وعلى هذا يتوقف النظر والتقييم لدور الأممالمتحدة بما يقع عليها من مسؤولية يأتي إنهاء الانقلاب في أولوياتها. أما غير ذلك فإنه مضيعة للوقت.